إغلاق معبر رأس جدير يعطل الربط بين مدن تونسية وليبية
بعد شهر ونصف الشهر من إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا، باتت مدينة بن قردان في جنوب شرق تونس تعاني من شوارع شبه فارغة ومحلات تجارية مُغلقة، حيث أصبحت الحركة الاقتصادية خاملة وملامح السكان شاحبة، وتتوقع الآفاق الاقتصادية سوءًا إذا استمرت الخلافات الداخلية في ليبيا لفترة أطول.
في هذه المدينة الحدودية، حيث تتمركز القوات الأمنية مجهزة بالسلاح، توقفت عشرات العربات والشاحنات التجارية من الجانبين، حيث يُسمح بدخول الحالات الطارئة فقط أو للتونسيين العائدين من ليبيا، مما أدى إلى توقف النشاط التجاري وإغلاق محلات كثيرة جراء الأضرار، مما يهدد مصادر الرزق لآلاف الأسر في المنطقة.
تظهر المدينة الآن كمدينة أشباح، حيث نفدت كميات البنزين المهرب وأغلقت معظم المحلات، وانخفضت معها السلع المستوردة من تركيا والصين وإيطاليا عبر الحدود الليبية، مما أثر أيضًا على أسعار السلع العالمية في الأسواق المحلية. الأسواق الشعبية تنشط بدون رقابة جبائية، ويعتبرها السكان بديلاً للتنمية المحلية التي فشلت في تحقيقها.
على طول شوارع المدينة، يشكو التجار من تراجع حركة دخول الشاحنات، حيث يستغرق دخولها إلى منفذ “الذهيبة-وازن” أيامًا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتقلص الأنشطة الاقتصادية بشكل كبير، وهو ما يعاني منه أيضًا سكان المدن الليبية القريبة.
تتكبد المدن الليبية غرب البلاد خسائر اقتصادية مماثلة، حيث تواجه توقف البضائع والسلع الحيوية وعدم القدرة على الوصول إلى المصحات الطبية في تونس. يشير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان إلى أن المعبر الحدودي يؤمن عبور ملايين الأفراد والمركبات سنويًا، ويمثل جزءًا هامًا من التجارة المتبادلة بين البلدين، والتي تتجاوز قيمتها المليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، تأتي هذه الأزمة في ظل تراجع حركة السياحة من ليبيا إلى تونس، حيث كانت السوق الليبية ثاني أكبر سوق للسياح في تونس.
مخرجات الأزمة
تاريخياً، كانت بن قردان مركزاً للاستضافة لعدد كبير من الليبيين والأشخاص من جنسيات مختلفة الذين هربوا إلى تونس منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، فهي كانت ملجأاً آمناً يعمل على حماية اللاجئين من نيران القتال. ومع ذلك، فإن اليوم شهد انخفاضاً حاداً في وجود الليبيين في المدينة، مما يؤثر سلباً على الوضع المعيشي للتونسيين.
تتمسك الجهات التونسية بعدم التدخل في الشأن الليبي، مع التأكيد على ضرورة حوار داخلي في ليبيا لاتخاذ القرارات، وهو موقف متفق عليه بين عدد من المسؤولين والدبلوماسيين التونسيين.
توقع الخبير السياسي رافع الطبيب أن تكون نتائج القمة الثلاثية التي جمعت تونس وليبيا والجزائر إيجابية في تسوية الخلافات الداخلية في ليبيا بشأن معبر رأس جدير.
ويرى الطبيب أن إنشاء مناطق حرة في المنطقة المغاربية، وخاصة في معبر رأس جدير الذي يربط تونس ببقية القارة الأفريقية، هو هدف أمني واقتصادي يسعى الدول المشاركة في القمة الثلاثية الأخيرة بتونس لتحقيقه.
من ناحية أخرى، يدعو رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان الحكومة التونسية إلى التدخل للتوسط بين الأطراف الليبية المتناحرة، مؤكداً على أنه لا توجد جهود جدية من الحكومة التونسية للتعامل مع هذا الأمر.