تكنولوجيا

عصر الاختراقات الرقمية: كيف يمكن أن تؤثر التكنولوجيا على خصوصيتنا وحياتنا اليومية؟

في أحد مشاهد الفيلم الشهير “سنودن”، يصرح البطل لأحد رفاقه قبل أن يتخذ قرار الانشقاق عن إدارته الاستخباراتية وفضح تعاملاتها الإلكترونية: “لا يهم مَن تكون، ففي كل يوم من أيام حياتك، ستكون جالسًا في إحدى قواعد البيانات الخاصة بشخص مجهول الهوية، بانتظار أن يتم فحصك”.

كان تأثير هذا الفيلم مروعًا لدرجة دفع البعض لوضع ملصقات على كاميرات الحواسيب المحمولة الخاصة بهم، معتقدين أن ذلك سيؤمنهم من اختراقات محتملة، لكن هل يكفي ذلك حقًا؟

تُعتبر الشواحن اللاسلكية، على سبيل المثال، مريحة وسهلة الاستخدام، وقد انتشرت بسرعة في كل بيت ومكتب. لكن هذه الأجهزة قد تشكل خطرًا على حياة مستخدميها إذا تم اختراقها. فقد كشفت دراسة حديثة كيف يمكن لجهاز بسيط التلاعب بعملية الشحن، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الهاتف أو حتى اشتعال النيران فيه.

أجرى الدراسة فريق من خبراء الأمن السيبراني في جامعة فلوريدا، حيث تمكنوا من التدخل في الاتصال بين الشاحن والهاتف وإرسال إشارات خاطئة تخدع الشاحن لتوصيل طاقة أكبر من اللازم. يمكن أن يؤدي هذا إلى الشحن الزائد وبالتالي السخونة المفرطة، مما قد يتسبب في اشتعال حريق.

حدد الباحثون عدة سيناريوهات محتملة للهجمات، التي أطلقوا عليها اسم “فولتسكيمر”، حيث يمكن للمخترق إرسال أوامر للمساعد الصوتي في الهاتف لتنفيذ إجراءات معينة، كما يمكنه تجاوز آلية اكتشاف الأجسام الغريبة في الشاحن اللاسلكي، مما يعرض الأشياء القريبة، مثل بطاقات الائتمان أو مفاتيح السيارة، لحقول مغناطيسية مكثفة، مما قد يؤدي إلى إتلافها.

اختبر الباحثون العديد من الشواحن اللاسلكية والهواتف من علامات تجارية مختلفة، ووجدوا أنها جميعًا عرضة لهجمات فولتسكيمر، كما أظهروا جدوى هذه الهجمات من خلال إنشاء نموذج أولي تكلفته أقل من 10 دولارات، يمكن إخفاؤه بسهولة.

ومع الأحداث الأخيرة في لبنان، والتي شهدت انفجارات لأجهزة البيجر، قد يكون هناك حاجة للنظر في إمكانية اختراق الهواتف أو حتى تفجيرها، لكن الأمر يتجاوز مجرد الحديث عن الهواتف الذكية، فهو أكثر تعقيدًا مما نتصور.

كاميرا العالم الجديد

في عام 2011، تمكن فريق بحثي من جامعة شمال كارولينا من اختراق الحاجز بين الواقع والقصص البوليسية، حيث ابتكر الفريق خوارزمية جديدة تُمكِّن كاميرات دقيقة من التقاط ما يكتبه الناس على هواتفهم الذكية من مسافات بعيدة، مثل أثناء حديثهم عبر واتساب في المترو، أو تصفحهم للبريد الإلكتروني في أحد البنوك.

تعمل هذه الخوارزمية على التقاط الصور المهتزة البعيدة، ثم تنقيحها وتثبيتها، قبل استخدام كمية ضخمة من البيانات لترقيع الفجوات في النص الذي يكتبه الشخص، مما ينتج نصًا واضحًا خاليًا من اللبس.

تخيَّل ماذا لو كان أحدهم يقف بجوارك، ويرتدي نظارات تعكس صورة هاتفك إلى الكاميرا؟ هنا يمكن للخوارزمية أن تلتقط نقرات إصبعك على لوحة المفاتيح الإلكترونية، ثم تُحلِّلها لتظهر النص الذي تكتبه. كانت التجارب الأولى مع هذه الآلية الجديدة، المسماة “آي-سباي” (ISpy)، ناجحة لدرجة أنها جمعت بيانات خاصة بأشخاص لم يكونوا ضمن نطاق التجربة، ولكنهم كانوا قريبين منها.

تطوير أجهزة تنظيم القلب

لننتقل إلى تاريخ تطوير الأجهزة المستخدمة لتنظيم عمل القلب، وهي أجهزة إلكترونية صغيرة تُزرع تحت جلد المرضى لمراقبة نبضهم وتقديم دفقات كهربائية عند الحاجة، وهي تقنيات أنقذت حياة الملايين منذ بداياتها في عام 1926. في عام 2006، تحققت طفرة كبيرة بإمكانية إدارة هذه الأجهزة عن بُعد دون الحاجة لاستخراجها.

ومع ذلك، طالما توجد إشارات لاسلكية بين جهازين، فإن هناك إمكانية لاعتراض هذه الإشارات من قِبَل المخترقين. ورقة بحثية نُشرت في أوائل 2019 أكدت هذه الفرضية، حيث تمكن باحثون من اختراق أنواع معينة من الأجهزة القلبية لإثبات إمكانية إيقاف عملها أو استنزاف بطاريتها بسرعة.

الأمر الأكثر خطورة هو إمكانية استخدام هذه الأجهزة لإعطاء دفقات زائدة من الكهرباء، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في نمط ضربات القلب أو حتى رجفان قلبي. وقد أقرّت منظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) سابقًا بإمكانية اختراق أي أجهزة داخل الجسم تعمل بشكل لاسلكي.

ضعف الأمان في السيارات

من جهة أخرى، أشار الدكتور أندري راكوتونيريني من مركز أبحاث الحوادث والسلامة على الطرق بجامعة كوينزلاند في ورقة بحثية عام 2014 إلى أن أنظمة الأمان في السيارات تعاني من ضعف كبير أمام القرصنة، مما يعكس مستوى الحماية الذي كان متوفرًا في الحواسيب المكتبية في الثمانينيات.

تمكن الباحثون من جامعة واشنطن من اعتراض حواسيب السيارات العادية عبر تتبع إشارات البلوتوث أو الراديو، مما سمح لهم بالتحكم في عداد السرعة وإحداث العديد من الكوارث، مثل التحكم في مجسات الحرارة وضغط الفرامل تلقائيًا.

تشير إحصاءات في دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى أن اختراقات السيارات في عام 2019 كانت أعلى بفارق 99% مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعكس تسرب الإنترنت وخدمات التواصل الاجتماعي إلى السيارات بشكل متزايد.

الأجهزة المنزلية كتهديدات محتملة

قد تعتقد أن ما يتم مناقشته لا يهمك، لكن دعنا نتأمل الأجهزة الذكية في منزلك، مثل الغسالة الأوتوماتيكية، والتلفاز الذكي، والثلاجة التي تتلقى أوامرك وأنت خارج المنزل. إذا تمكَّن المخترق من تعطيل أحد هذه المجسات، فقد يتسبب في كارثة.

في عام 2014، كشفت شركة الأمن “بروفبوينت” عن هجوم إلكتروني استهدف أكثر من 100,000 جهاز منزلي متصل بالإنترنت، مما أظهر أن هذه الأجهزة قد تكون عرضة للاختراق.

استنتاجات حول الأمن الرقمي

بشكل عام، من الضروري أن يدرك الأفراد أهمية أمن المعلومات وخطورة التهديدات الرقمية. ينبغي على كل شخص بذل جهد لفهم مبادئ الأمن السيبراني، مما سيساعد في تأمين بياناته الشخصية وفتح مجالات جديدة لتطوير مهاراته في عصر يتسم بتغيرات جذرية في سوق العمل.

زر الذهاب إلى الأعلى