أسعار الغاز في أوروبا ترتفع وسط مخاوف من شتاء قارس وغياب الإمدادات الروسية
سجلت أسعار الغاز في أوروبا ارتفاعًا كبيرًا لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن تتراجع وتفقد معظم مكاسبها. ويأتي هذا الارتفاع في ظل استعداد القارة الأوروبية لمواجهة شتاء قارس بدون أحد مصادر الإمداد الرئيسية، بعد توقف عمليات تسليم الغاز الروسي عبر أوكرانيا مع بداية العام الجديد، عقب انتهاء عقد العبور بين البلدين دون التوصل إلى اتفاق بديل.
التطورات في سوق الغاز الأوروبي
كان المستثمرون يتوقعون توقف تدفق الغاز الروسي منذ فترة، ويراقبون الآن عن كثب تأثير ذلك على معدلات السحب من المخزونات الأوروبية.
ارتفع سعر الغاز القياسي في هولندا لعقود فبراير/شباط بنحو 4.3%، إلا أنه قلّص مكاسبه لاحقًا ليغلق عند 49.810 يورو (51.45 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة، بزيادة نسبتها 1.84% فقط. وكانت العقود الآجلة قد تجاوزت 50 يورو (51.64 دولارًا) في 31 ديسمبر/كانون الأول، استباقًا لتوقف الإمدادات.
تشير البيانات إلى أن المخزونات الأوروبية تتراجع بأسرع وتيرة منذ عام 2021، مما يزيد من المخاوف مع بداية الأزمة الحالية. ويتزامن ذلك مع موجة برد شديدة متوقعة في بعض الدول الأوروبية، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على التدفئة. على سبيل المثال، قد تنخفض درجات الحرارة في سلوفاكيا، إحدى الدول الأكثر تضررًا من وقف الإمدادات، إلى 7 درجات مئوية تحت الصفر بحلول منتصف يناير/كانون الثاني.
التحديات المستقبلية وإعادة التخزين
ورغم أن مخزونات الغاز والتوريدات البديلة قد تساعد في تجاوز هذا الشتاء دون انقطاع الإمدادات، إلا أن تجديد المخزون استعدادًا للشتاء المقبل قد يكون أكثر تعقيدًا، إذ ارتفعت أسعار العقود الصيفية مؤخرًا فوق أسعار الشتاء 2025-2026، مما يجعل عمليات التخزين أكثر تكلفة.
وفي هذا الصدد، حذر أرن لوهمان راسموسن، كبير المحللين في إدارة المخاطر العالمية بكوبنهاغن، من “الخطر المتزايد بخروج أوروبا من الشتاء بمستويات مخزون منخفضة، ما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف إعادة تعبئتها.”
الاعتماد على البدائل والتحديات اللوجستية
حاليًا، يعتبر خط أنابيب “ترك ستريم” القناة الوحيدة المتبقية لتدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، ويتم مراقبة عمليات التسليم عبره عن كثب. ورغم تمكن العديد من عملاء شركة “غازبروم” الروسية في وسط أوروبا من تأمين مصادر بديلة، فإن التكلفة تبقى عائقًا أساسيًا، حيث تعتمد النمسا على إمدادات إضافية من ألمانيا وإيطاليا.
من جهة أخرى، من المرجح أن تعزز أوروبا اعتمادها على الغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك الإمدادات الروسية، التي سجلت صادرات قياسية إلى أوروبا العام الماضي، ما جعل روسيا ثاني أكبر مورد بعد الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الدول غير الساحلية في وسط وشرق أوروبا تواجه تكاليف إضافية بسبب تعقيدات النقل البحري وإعادة التحويل إلى الحالة الغازية. وقدرت سلوفاكيا أن استيراد الغاز عبر الغرب سيؤدي إلى تكاليف إضافية تبلغ 177 مليون يورو (183 مليون دولار).
المنافسة المتزايدة وارتفاع فواتير الطاقة
وفقًا لتقارير بلومبيرغ، تحتاج أوروبا إلى تكثيف المنافسة على الغاز الطبيعي المسال هذا العام، خصوصًا خلال فصل الصيف، عندما يرتفع الطلب في آسيا بسبب تشغيل أجهزة التكييف. ورغم الجهود المبذولة لبناء المزيد من محطات الغاز الطبيعي المسال عالميًا، فإن زيادة السعة لن تكون متاحة قبل عدة سنوات.
في ظل هذه الظروف، يتوقع أن تظل فواتير الطاقة مرتفعة في أوروبا لفترة أطول، حيث من المرجح أن تتجاوز أسعار الجملة لعام 2025 المستويات المسجلة في العام الماضي، ما يفرض ضغوطًا إضافية على المستهلكين والصناعات في القارة.