ثقافة

احتجاجات ضد اعتماد كلمة “ترند” بصفة شرعية في اللغة العربية

تقوم حياة الأمم على التواصل والتفاعل الفكري والحضاري بينها، وهذا أمر مهم جداً. على سبيل المثال، عندما انطلق المسلمون من جزيرة العرب كدعاة ومستكشفين، تطورت اللغة بشكل يتلاءم مع هذا النمو والتطور الحضاري في مختلف المجالات مثل العلوم والفنون والأدب.

كيف تحصل الألفاظ الجديدة والمعربة على تأشيرة شرعية للدخول إلى اللغة العربية؟ 

عندما قرر مجمع اللغة العربية في القاهرة إدخال كلمة “ترند” إلى اللغة العربية واستخدامها، لم يكن هذا هو المرة الأولى التي يصدر فيها قرار من هذا النوع. فقد سبق ذلك بقليل قبول واعتماد كلمات أخرى مثل “أولمبياد، وأرشيف، وأجندة”، وقد نُشر هذا القرار على صفحة مجمع اللغة العربية الرسمية في فيسبوك.

بعض الأعضاء في المجمع اللغوي في القاهرة عبّروا عن اعتراضهم على تعريب كلمة “ترند” وأشاروا إلى عدم ورودها في المعاجم العربية. ومن ناحية أخرى، أوضحوا أن كلمة “ترند” هي معربة عن الأصل الإنجليزي وتعني اتجاه أو نزعة أو ميل أو موضة.

تساءل بعض الأعضاء في المجمع اللغوي في مقابلة تلفزيونية عن تفاعل الناس وانزعاجهم من تعريب كلمة “ترند” بينما لم يكون لديهم نفس الانزعاج من تعريب كلمات أخرى تم إدخالها حديثًا. وقد أشاروا إلى أن هذا الغضب الشعبي قد يكون نتيجة تراكم مشاعر الاستياء والقلق تجاه هذه التغييرات في اللغة العربية وقلقهم من التساهل في قبولها.

في النهاية، يمكن لأي شخص مهتم بقضايا اللغة أن يعبر عن آرائه واعتراضاته حيال هذه القضايا ويشارك في النقاش حولها، وهذا حق مشروع يجب أن يحترمه الجميع.

سؤال مفتوح ينتظر الإجابة!

المجامع اللغوية العربية تمثل مؤسسات مستقلة في الدول العربية، ولها أهدافها ومهامها الخاصة فيما يتعلق بشؤون اللغة والتعريب والتعليم. على الرغم من استقلالية هذه المجامع، إلا أن هناك توجهًا عامًا نحو التعاون والتنسيق بينها في مجالات متعددة تخص اللغة العربية والأدب العربي.

تعتمد درجة التفاعل والتشاور بين المجامع اللغوية العربية على الظروف والاتفاقيات المشتركة بينها. بعض المجامع قد يتبادلون الخبرات والأبحاث ويشاركون في الأنشطة المشتركة مثل المؤتمرات وورش العمل. هناك أيضًا جهود تبذل على مستوى الاتحادات اللغوية العربية لتعزيز التعاون بين المجامع المختلفة.

ومع ذلك، يتمتع كل مجلس لغوي بحق التفرد في اتخاذ قراراته الخاصة بشؤونه الداخلية، مثل قرارات التعريب والتعليم وغيرها. وفيما يتعلق بالقرارات المتعلقة باللغة والأدب العربي، فإن تنسيقها غالباً يعتمد على التوجيهات والمعايير اللغوية المشتركة بين المجامع.

بشكل عام، هناك تواصل وتعاون بين المجامع اللغوية العربية، وهذا يساهم في تعزيز وصون اللغة العربية وتطويرها.

ما الذي تعمل عليه مجامع اللغة العربية بالضبط في عملية التعريب؟ 

تعتبر مجامع اللغة العربية من أهم المؤسسات التي تعنى بالحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، وهي تضطلع بدور رئيسي في مراقبة ومعالجة الكلمات والمفاهيم الوافدة إلى اللغة العربية وضمها إلى بنيتها اللغوية. إن هذا الدور الذي تلعبه مجامع اللغة العربية يعكس حاجة مستمرة لتطوير اللغة وتوسيع مجالاتها لاستيعاب الكلمات والمفاهيم الجديدة التي تنشأ نتيجة التطور الاجتماعي والتقني والثقافي.

فاللغة هي وسيلة حيوية للتواصل والتفاهم بين الأفراد والمجتمعات، وتطورها وتجددها يمكن أن يساهم في تلبية احتياجات الناس الحديثة وتعبيرهم عن أفكارهم ومشاعرهم بشكل فعال. إذا كانت المجمعات اللغوية تتخذ خطوات لتقديم تسهيلات لدمج كلمات جديدة بشكل ملائم في اللغة العربية من خلال التعريب الصحيح، فإن ذلك يمكن أن يسهم في إثراء اللغة وجعلها أكثر قدرة على التعبير عن الواقع الحديث.

من الضروري أن تكون هذه العمليات في إطار شفاف ومستدام، حيث يتم دراسة الكلمات الوافدة بعناية وفحص جذورها اللغوية ومدى توافقها مع بنية اللغة العربية. وعلى الرغم من هذا التوسع والتجديد، يجب أن يتم بحرص وتحت إشراف لغويين متخصصين لضمان استمرارية التماسك والوحدة في اللغة العربية.

إذاً، يمكن القول أن اهتمام مجامع اللغة العربية بالتحفيز على التعريب وتبني الكلمات الوافدة يأتي كجزء من دورها الحيوي في تطوير اللغة وجعلها أداة أكثر فعالية للتعبير والتواصل في العصر الحديث.

آثار جانبية

عندما نشهد من حين لآخر قرارات من مجامع اللغة العربية بالسماح بدخول بعض الكلمات الأجنبية إلى اللغة العربية، يثير هذا الموضوع جدلًا ونقاشًا بين الخبراء والجمهور. يقوم بعض الأشخاص بالدفاع عن هذه القرارات بزعم أن هذه الكلمات أصبحت شائعة بين الناس، وأن استبدالها ببديل عربي قد لا يكون مجدِّرًا أو فعالًا. وفي هذا السياق، يشيرون إلى تفضيلهم لاستخدام هذه الكلمات كما هي في اللغة الأجنبية نظرًا لوضوحها ودقتها في التعبير عن المفاهيم.

مع ذلك، يُلاحظ أن هناك بعض الأشخاص، بما في ذلك خبراء اللغة، يعبرون عن قلقهم من هذه القرارات وينتقدونها. فهم يشككون في قدرة اللغة العربية على مجاراة التطورات اللغوية الحديثة ويعتبرون أن هذا القبول الكامل للكلمات الأجنبية يعكس نوعًا من العجز اللغوي والاستسلام لسيطرة اللغات الأجنبية، ولاسيما الإنجليزية، في مجموعة كبيرة من مجالات الحياة والتواصل.

النقطة المثيرة للاهتمام هي أن هؤلاء الذين يعبرون عن هذه الآراء قد يغفلون عن الظروف الاجتماعية والثقافية التي تجعل بعض الكلمات الأجنبية ذات استخدام واسع ومناسب. وفي هذا السياق، ينبغي مراعاة أن اللغة ليست ميتة ولها قدرة على التطور والاستيعاب. إذاً، من الضروري التوازن بين الحفاظ على الهوية اللغوية والمرونة في استخدام اللغة لتلبية احتياجات الحياة الحديثة.

لماذا نعترض على تعريب “ترند”؟ 

من الغريب حقًا أن يقبل مجمع اللغة العربية في القاهرة بإدخال كلمة “ترند” إلى اللغة العربية واعتمادها في السياقات اللغوية والاستخدام الرسمي. في حين يسعى الصحفيون والناشطون الذين يهتمون باللغة العربية إلى إيجاد بدائل لهذه الكلمة بشكل مناسب. فمثلما أشرت، يُمكن استخدام كلمات مثل “متصدر” و”رائج” و”متداول” و”حديث الساعة” بسهولة للتعبير عن المفهوم الذي تُريد “ترند” أن تعبر عنه.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعربية، بسبب غناها وعراقتها وأصالتها، بسهولة إيجاد بدائل للكلمات الأجنبية دون الحاجة إلى تعقيدات أو اشتقاقات غامضة. اللغة العربية قادرة على التطور والتكيف مع متطلبات العصر الحديث والاستمرار في الحفاظ على هويتها اللغوية.

يُعتبر الاستخدام اللغوي والتعريب أمورًا مختلفة. يمكن للكلمات الأجنبية أن تستخدم في اللغة العربية دون أن تتم تعريبها أو إدخالها رسميًا. ومن الضروري العناية باللغة العربية والحفاظ على هويتها واستخدامها بشكل صحيح وجيد. لا ينبغي أن نتساهل في قبول الكلمات الأجنبية بدون تفكير جاد في بدائل عربية مناسبة.

من الضروري الحفاظ على هوية اللغة العربية والعمل على تعزيزها وتطويرها لتلبية احتياجات العصر الحديث دون التنازل عن قيمتها وأصالتها.

زر الذهاب إلى الأعلى