احتجاج مصري غاضب ضد الاحتلال الإسرائيلي
في القاهرة، بعد نهاية الشوط الأول من مباراة كرة القدم الودية بين منتخبي مصر والجزائر، بادر العديد من الحاضرين في مقهى بمنطقة فيصل بغرب القاهرة إلى المطالبة بتغيير القناة الرياضية إلى إحدى القنوات الإخبارية لمتابعة الأحداث التي تجري في قطاع غزة.
هاني المصري، وهو مهندس كهرباء في أوائل الأربعينات من عمره، كان من بين هؤلاء الحضور. وقال إنه كان يتابع بكثير من اهتمام الأخبار المتعلقة بالهجوم الإسرائيلي على غزة خلال الشوط الأول من المباراة التي أقيمت في مدينة العين بالإمارات. وأبدى استنكاره لعدم رفع الجماهير الإسرائيلية للأعلام الفلسطينية، وهو موقف تداولته وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا المشهد النادر في مقهى فيصل يعكس حالة الاستيقاظ والاهتمام الواسع في مصر منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” وتصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة. ورغم القيود المفروضة بموجب قانون التظاهر، تمكن المصريون من تنظيم وقفات واحتجاجات دون الحصول على تصريحات أمنية.
من الناحية الرسمية، تواجه مصر تحديات معقدة نتيجة التصاعد في العدوان الإسرائيلي على غزة. هذا يعتبر أمرًا حساسًا نظرًا للضوابط والمصالح الأمنية والعربية، بالإضافة إلى أهمية معبر رفح الحدودي كممر إنساني لأهل غزة. تشعر السلطات المصرية بالتوتر من محاولات تصفية القضية الفلسطينية عن طريق نقل سكان غزة إلى سيناء المجاورة.
دعم أزهري متواصل
منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”، قام الأزهر بتسجيل سلسلة من المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، ويمكن تلخيص أهم هذه المواقف على النحو التالي:
- تلقى شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب، اتصالًا هاتفيًا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أكد خلاله وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني.
- حذر الأزهر من أن ترك الفلسطينيين أرضهم يمثل “موتًا للقضية وزوالها إلى الأبد”، ودعا إلى إجراء تحقيق دولي في “جرائم الاحتلال”.
- بعد صلاة الجمعة، نظم المصلون في الجامع الأزهر مظاهرة حاشدة تأييدًا للقضية الفلسطينية، حيث رددوا هتافات مناهضة منها “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”.
- في اليوم العاشر من العملية، أطلق بيت الزكاة والصدقات التابع للأزهر حملة “أغيثوا غزة” تحت شعار “جاهدوا بأموالكم.. وانصروا فلسطين”.
- بجانب ذلك، أصدرت الكنيسة الأرثوذكسية بيانًا في اليوم الثاني لعملية “طوفان الأقصى”، أدانت فيه “استهداف المدنيين من الجانبين”. بينما شاركت الطائفة الإنجيلية في حملة المساعدات الإنسانية لغزة.
سلاح المقاطعة
تظهر الاستجابة السريعة للحملات المقاطعة في مصر إندماج الشعب المصري من مختلف التوجهات مع الأحداث الجارية في فلسطين، ويمكن ملاحظتها في الأمور التالية:
- تجلى التضامن الشديد مع عمليات المقاومة وضحايا العدوان، وهذا ما دفع منصات التواصل الاجتماعي إلى فرض تقييدات على محتوى المستخدمين نتيجة للضغط الكبير.
- مع إعلان واشنطن ودول غربية وشركاتها النشطة في مصر دعمها الكامل لإسرائيل، قام المصريون بشكل مكثف بممارسة حملة المقاطعة. هذا الإجراء تكرر في العديد من البلدان العربية.
- تم رصد الشركات التي تؤيد إسرائيل بهدف نشر الوعي بين المستهلكين. وشملت هذه الحملة العديد من المنتجات الغربية الشهيرة التي لم تتبرأ بعضها من دعم إسرائيل.
قوافل الإغاثة
فجر يوم الثلاثاء، انطلقت قوافل “التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي”، وهو منظمة حكومية، محملة بكميات كبيرة من المساعدات الإنسانية. تضمنت هذه المساعدات مواد غذائية وملابس وأدوية ومستلزمات طبية.
وكان التحالف قد أطلق حملة “مسافة السكّة” قبل عدة أيام لاستقبال التبرعات العينية بهدف تجميعها في قافلة موحدة ستتوجه إلى معبر رفح الحدودي ثم إلى قطاع غزة.
تشمل أعمال القافلة مشاركة مؤسسات خيرية من مختلف محافظات مصر في حملة للتبرع بالدم تحت عنوان “مبادرة دمنا واحد”، بهدف تقديم الدعم الطبي للمصابين والجرحى في قطاع غزة.
وفي تعليق على هذا الدعم الجماهيري، أشار المحلل السياسي والأكاديمي المصري حسن نافعة إلى أن الشعب المصري لم يتخلى أبدًا عن القضية الفلسطينية وظل داعمًا لها في جميع الأوقات، وخاصة في اللحظات الصعبة.
وأضاف نافعة في حديث للجزيرة نت أن عملية “طوفان الأقصى” جلبت إلى الأذهان ذكريات حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ورسخت في وعي المصريين إمكانية تحقيق الشعوب للنجاح والتغيير عندما تختار الطريقة المقاومة وتدافع عن كرامتها واستقلالها.
حراك نقابي
على الرغم من التحسن الواضح في العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب في السنوات الأخيرة، إلا أن النقابات تظل في طليعة المعارضين للتطبيع، ورغم التقييدات التي فُرضت على دورها في الفترة الأخيرة.
تشبه الأمور ما حدث مع المصلين في الجامع الأزهر، حيث تجاوز نقابيون حاجز قوانين التظاهر. في درج نقابة المحامين بالقاهرة، اجتمع العشرات يوم الاثنين في وقفة تضامنية نظموا خلالها حملة للتبرع بالدم لصالح جرحى ومصابي غزة.
أثناء الوقفة، رفع محامون لافتات تحمل شعارات “فلسطين عربية” و”تسقط إسرائيل، يسقط كل خائن وعميل”، ورددوا هتافات مناهضة منها “من القاهرة ألف تحية.. يا مقاومة يا فلسطينية”.
وخلال هذه الفعالية، أعلن نقيب المحامين عبد الحليم علام عن نيتهم تشكيل لجنة تقصي حقائق لتوثيق جرائم الاحتلال، وهذا تمهيدًا لملاحقة المسؤولين عنها وتقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
كما تفاعلت نقابة الصحفيين المصريين بفعالية مع الأحداث واكتست واجهتها بالعلمين المصري والفلسطيني، ونظمت يومًا تضامنيًا شمل حملة للتبرع بالدم، وأخرى لتوثيق وفضح “الحرب الوحشية”، بالإضافة إلى تشكيل لجنة نقابية لإغاثة ودعم فلسطين.
ونظمت النقابة مؤتمرًا حول رصد “تجاوزات وأكاذيب الإعلام الغربي” خلال تغطيته للحرب وعمليات المقاومة، وكشفت عن ممارسات “غير المهنية” لوسائل الإعلام الغربية.
انتفاضة كروية
لم تضيع جماهير نادي الأهلي الفرصة للتعبير عن تضامنها مع غزة، حتى على الرغم من القيود الصارمة المفروضة على المشجعين في الملاعب، وفي وقت لاحق أصدرت إدارة النادي بيانًا يعرب عن تضامنها.
خلال مباراة فريقهم أمام نادي الإسماعيلي في الدوري المحلي لكرة القدم، والتي أقيمت في ثاني أيام “طوفان الأقصى”، هتفت جماهير الأهلي “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”.. “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، وشهدت المدرجات تزايدًا في عرض الأعلام الفلسطينية.
هذا المشهد تكرر أيضًا داخل إحدى صالات نادي الزمالك، حيث زينت الجماهير مباراة فريقهم بدوري كرة اليد بالعلم الفلسطيني، ورفعت هتافات تأييدية لفلسطين أثناء المباراة.
بينما قام لاعب المنتخب المصري ونادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح بالتبرع بمبلغ مالي لصالح ضحايا غزة بعد موجة انتقادات من الجماهير، كان لآخرين السبق في إعلان دعمهم الكامل، وخاصة المنتسبين للدوريات الأوروبية التي تُعاقب المشجعين الذين يظهرون تضامنهم مع فلسطين.
من بين هؤلاء الذين قدموا دعمهم الصريح لفلسطين كان اللاعب أحمد حسن كوكا، لاعب المنتخب المصري ونادي بينديك التركي، الذي نشر رسالة مؤثرة تناول فيها الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني على مر العقود.
وإلى جانب كوكا، أبرز المتضامنين مع فلسطين كان اللاعب السابق محمد أبو تريكة، ولاعب المنتخب ونادي أرسنال الإنجليزي محمد النني، ولاعب الزمالك محمود شيكابالا، وزميله في الأهلي محمد مجدي أفشة، وغيرهم من اللاعبين والشخصيات الرياضية.