ارتفاع أسعار اللحوم في المغرب: دعم حكومي ومشاكل في السوق تؤثر على القدرة الشرائية

تحملت خزينة الدولة المغربية ما يزيد عن ملياري درهم (حوالي 200 مليون دولار) في الفترة بين ديسمبر 2022 ومارس 2024، لتغطية تكلفة إعفاء مستوردي الأبقار من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، بالإضافة إلى إعفاء مستوردي اللحوم المبردة والمجمدة. ومع ذلك، لم ينعكس ذلك على أسعار اللحوم، حيث لا يزال المواطنون، خاصة من ذوي الدخل المحدود، يشكون من ارتفاعها.
وفي جولة ميدانية لجزيرة نت بأحد الأسواق الكبرى في الرباط، تراوحت أسعار اللحوم الحمراء ما بين 100 و150 درهما (10 إلى 15 دولارًا)، وأكد البائعون أن اللحوم المستوردة هي المعروضة للبيع. وفي محلات الجزارة العادية، ظلت الأسعار تقترب أو تتجاوز 100 درهم للكيلوغرام (10 دولارات).
في محلات جزارة في ضواحي العاصمة، بلغ سعر لحم البقر 110 دراهم (11 دولارًا) للكيلوغرام، بينما وصل سعر لحم الأغنام إلى 130 درهمًا (13 دولارًا). وأوضح أحد البائعين أن اللحوم التي يعرضها تأتي من القطيع المحلي، معتبرًا أن الجودة العالية تقتصر على الإنتاج المحلي، وهو ما يجعله يفضل تقديم هذا النوع من اللحوم لزبائنه.
وكانت المملكة قد استوردت أكثر من مليون رأس من الماشية، منها 167 ألف رأس من الأبقار و906 آلاف رأس من الأغنام، إضافة إلى 1724 طنًا من اللحوم الحمراء، منها 110 آلاف طن من اللحوم المجمدة، بحسب ما صرح به وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري في البرلمان.
وفي إطار استراتيجيات الوزارة، أطلقت الوزارة بالتعاون مع الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز إحصاءً عامًا للقطيع المحلي بهدف توفير معطيات دقيقة حول تركيبته وتوزيعه الجغرافي.
ورغم ذلك، يواجه المواطنون تحديات في تلبية احتياجاتهم من اللحوم، حيث أكد وزير الفلاحة مرارًا أن الهدف من استيراد اللحوم هو تلبية احتياجات السوق المحلي وحماية القدرة الشرائية، لكنه اعترف بارتفاع الأسعار على الرغم من الاستيراد، وأشار إلى تزايد أسعار اللحوم البيضاء (الدواجن) التي أصبحت بديلًا عن اللحوم الحمراء.
ويعتقد عبد الحق البوتشيشي، رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقنيي تربية المواشي، أن ارتفاع الأسعار يعكس إخفاقًا في إدارة القطاع الزراعي، ما أدى إلى تدهور القطيع المحلي. ويرى البوتشيشي أن الاستيراد يبقى حلاً مؤقتًا دون أن يحقق الهدف المعلن للحكومة، وهو خفض الأسعار.
وأوضح البوتشيشي أن اللحوم الطازجة المستوردة يتم توزيعها على الأسواق الكبرى والمطاعم فقط، ولا تصل إلى الأسواق الشعبية ومحلات الجزارة التقليدية، مما يعني أن المستهلكين من ذوي الدخل المحدود لا يستفيدون منها.
وفي هذا السياق، ترى البرلمانية نادية القنصوري أن الدعم الذي قدمته الحكومة استفاد منه كبار المستوردين، محذرة من غياب الرقابة على مسار الماشية المستوردة، وهو ما جعل عملية الاستيراد لا تحقق النتائج المرجوة.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي محمد الجدري أن احتكار السوق من قبل قلة من المستوردين أدى إلى ارتفاع الأسعار، مما أصبح عبئًا على الطبقات المتوسطة وذوي الدخل المحدود. ويرى الجدري أن هذا الاحتكار جزء من مشاكل المنظومة الاقتصادية في المغرب، التي تحتاج إلى تغييرات جذرية.
وفيما يتعلق بالحلول المقترحة، يعتقد العديد من المتخصصين أن الحل الجذري يكمن في إعادة بناء القطيع المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وقد أشار وزير الميزانية فوزي لقجع إلى أن غلاء الأسعار سيظل قائماً ما لم يتم تحسين الإنتاج المحلي، مرجحًا أن تدابير الحكومة الحالية ستظل مؤقتة.
ووفقًا للبوتشيشي، فإن الجفاف ليس العامل الوحيد في تدهور القطيع المحلي، بل هناك عوامل أخرى مرتبطة بنقص الاستثمار في إنتاج الأعلاف والكلأ المحلي. وهو ما يجعل دعم مربي الماشية وتحفيز الإنتاج المحلي للأعلاف خطوة أساسية في مواجهة أزمة اللحوم.
وفي الوقت الذي يشير فيه البوتشيشي إلى ضرورة دعم مربي الماشية وإنتاج الأعلاف محليًا، يعتقد الجدري أن عودة القطيع المحلي إلى مستوياته السابقة قد تستغرق وقتًا طويلًا، مما سيؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار اللحوم لفترة طويلة.