ازدواجية المثقفين: استراتيجيات تقويض المقاومة وتزييف الثقافة الفلسطينية
ينشغل المثقفون العرب وأصدقاء القضية الفلسطينية من الغرب بشكل متزايد في هذا الوقت بالتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطيني أمام المجتمع العالمي. يحاولون بشدة توضيح أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تمثل الشعب الفلسطيني بأي شكل، ويصل بعضهم إلى التأكيد على أنها تمثل فقط جزءًا صغيرًا جدًا من مجتمع فلسطيني ليس له علاقة وثيقة بأفكار المقاومة التي يعبر عنها الفصائل المسلحة في قطاع غزة وحتى الضفة الغربية.
الواقع يكشف أن هؤلاء الأشخاص واجهوا تحديًا كبيرًا منذ ثلاث سنوات خلت أثناء مهرجان للأفلام المتوسطية في روما. في هذا المهرجان، تم فرض رقابة على كلمات أحد أغاني فيلم “غزة مونامور”، التي تتضمن مقطعًا يتحدث عن “التقدم يا ابن أقصانا ودك الأرض نيرانا”. ويعود السبب واضحًا إلى طابع العنف الذي يتضمنه هذا المقطع، بينما يرون أصدقاء فلسطين ضرورة الترويج لفكرة المقاومة السلمية والتأكيد على أنها قد تصبح أول مقاومة في تاريخ الإنسانية قادرة على هزيمة الاحتلال وتحطيم جدرانه من خلال الفنون والشعر السلمي والإبداع.
أشعار الهشاشة
على الرغم من أهمية القوة الناعمة كاستراتيجية مهمة في النزاعات الحديثة، إلا أن الشعر والأدب بأبيات مثل “سارة أجلسيني على حجرك” و”ريتا أحبيني كما أحبك” (أبيات تخيلية) تُعتبر بعضًا من أنواع الشعر التي يعتقد أصدقاء فلسطين في العالم الغربي أنها يمكن أن تشكل قوة ناعمة للعرب في المجتمع العالمي. ومع ذلك، يبدو أن هذه النوعية من الشعر لم تحظ بالاحترام المطلوب في ساحة الحروب الناعمة في الوقت الحالي.
يجدر بنا أن نشير إلى أن صفحة كبيرة من صفحات الشعر الإيطالي على فيسبوك اختارت نصًا شعريًا عربيًا من الشعر الحديث لمرافقة التطورات في غزة في الوقت الحالي. وقد تلقى هذا النص آلاف التعليقات المتنوعة، تتراوح بين التعبير عن الألم والتأييد للفلسطينيين إلى الانتقادات اللاذعة مثل “هل هذا حقًا شعر؟”.
القوة الناعمة العربية تعتمد على التمسك بالخيارات “المؤلمة” التي يقدمها بعض المستشرقين الجدد وترجماتهم المنتقاة بعناية لعرض أعمق جوانب الثقافة العربية وتعبيرها عن الهشاشة والرقة والتفتح للآخر. ويرى البعض منذ عقود أن هذه القوة يمكن أن تمنح المقاومة الفلسطينية شرعية إنسانية أمام الرأي العام الغربي. هذه القوة تسلط الضوء على جانب هشاشة الفلسطينيين، وتبرز تفكيرهم السامح واستعدادهم للحضن والتآزر، بينما تقارنها بعنصرية وعنجهية الاحتلال. هذه النهج يمتزج بسلاسة مع الفكر اليساري العصري الذي اتجه مؤخرًا نحو دعم المقاومة السلمية والتركيز على “المقاومة الجنسانية” بدلاً من الجوانب المسلحة، مما يعكس استخدام فرعي من المازوخية والتمتع بالألم على حساب الفلسطينيين.
ازدواجية يسارية
بعيدًا عن ما قرره المستشرقون الجدد حول شكل المقاومة الفلسطينية، يمكن ملاحظة أن اليسار نفسه، الذي أشرف في العقد الأخير على تنظيم حشود كبيرة من المناصرين للسلام والذين يناهضون أي نوع من أنواع المقاومة المسلحة، قد قام بروج ثقافياً في إيطاليا لصالح المقاومة العسكرية في أوكرانيا. حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى نشر محتوى وحشي يظهر امرأة أوكرانية تقوم بجز رأس رجل روسي بمنجل، مع تشجيع على “الموت لكل الروس” عندما بدأ الاجتياح الروسي.
وفي الجانب المقابل، ينصح الخبراء الغربيين في صنع الصور بأن المقاومة الفلسطينية يجب أن تتجنب صور الرشاشات والزي العسكري. يُشددون على ضرورة أن يكون للمقاومة الشكل العلماني وأن يتجنبوا الإنجراف نحو الإرهاب والعنف. يُشيرون إلى أن هذا النهج ليس ضد الإسلام أو تجنب الدعوة للمقاومة من قبل المسلمين، بل يعتبرونه توجيها لإظهار الحضارة والرقة والرغبة في السلام بدلاً من العنف. ويجدر التنويه إلى أن هذا ليس عنصرياً بل هو تركيز على الجوانب الإنسانية المشتركة.
بعد ذلك، يتدخل النظرية النسوية لتشير إلى ضرورة محاربة “الذكورية السامة” في المجتمع الفلسطيني، والتي يتم تصويرها كجزء من الهيكل الاستعماري الإسرائيلي. هذا يتم في إطار مفهوم يُسمى “النضال المزدوج”، وهو مفهوم معقد للغاية. تُشير نسويات المنظمات غير الحكومية الممولة من مصادر إنسانية إلى ضرورة مكافحة هذه الظاهرة.
في السياق نفسه، تم اختزال مظاهر المقاومة الفلسطينية في إيطاليا في السنوات الأخيرة إلى تعبيرات نسوية تتضمن تناول الأمور بطريقة غامضة ومحاولة تأسيس عناصر أدبية. هذه العناصر لا تشكل عبء سياسياً على أحد، بل تعتبر تعبيراً عن تعاطف المناصرين للقضية.
من الجدير بالذكر أن الحزب الديمقراطي الإيطالي اليساري قد اعتبر مؤخرًا المقاومة الفلسطينية المسلحة منظمة “أصولية إرهابية يمينية متطرفة”. ومع ذلك، قام نفس الحزب بالترويج لرئيسته الجديدة إيلي شلاين كداعمة لفلسطين.
لماذا يحق لأوكرانيا ما لا يحق لفلسطين؟
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا كان الإيطالي والغربي بشكل عام يحترمون المقاومة المسلحة ويروجون لصورها، فلماذا يقتصرون على تقديم الدعم الثقافي للمقاومة الفلسطينية فقط؟ وماذا عن عدم انتقاد المثقفين العرب لمقاومتهم المسلحة في وقت يتبنى فيه الغرب المسلحين الأوكرانيين؟
فيما يتعلق بهذا السؤال، يجيب المثقفون العرب أنفسهم خلال ملتقياتهم في العواصم الأوروبية. يتحدث بعضهم عن أن “الحضارة الإسلامية هي حضارة إمبريالية”، بينما يشير آخرون إلى أن “الثقافة العربية ذكورية متعفنة”. هذا يلقي الضوء على الشخصيات التي يتم اختيارها لتمثيل الشعب العربي ومقاومته الثقافية في الغرب، حتى إذا تم ذلك من خلال فن أو شعر لا يحظى بالتقدير على حد قول القراء الغربيين قبل القراء العرب.
يأتي كل هذا في وقت يتم فيه ممارسة الرقابة على أصوات الشعوب الحقيقية وفنونها، والتي تنبع بشكل طبيعي من تعبير أملها. وهذا يجعل السؤال الحقيقي هنا ليس إذا كانت حماس تمثل الشعب الفلسطيني أم لا، بل هل يمثل المثقفون الذين يناهضونها ثقافة شعوبهم وإصرارها؟