الأوضاع الاقتصادية في السودان: شح السيولة النقدية والتحديات المصاحبة
العودة إلى “التجارة الصامتة”
تشهد بعض المناطق في السودان، وخاصة في الغرب والجنوب، أزمة حادة في السيولة النقدية دفعت بالسكان إلى العودة إلى أنماط قديمة من التجارة تُعرف بـ”التجارة الصامتة”، حيث تتم مقايضة السلع بسلع أخرى. وقد أدى ذلك إلى تشوهات في أسعار السلع، إذ تُباع بأسعار أعلى عند استخدام التطبيقات المصرفية مقارنة بالعملة الورقية. كما انتشر التعامل الربوي في عمليات تبادل العملتين الورقية والإلكترونية.
أثر الحرب على الجهاز المصرفي
أدت الحرب التي اندلعت قبل أكثر من 18 شهرًا إلى إغلاق 12 فرعًا من أصل 18 لبنك السودان المركزي، مما أعاق البنك عن إدارة العملة الوطنية، سواء عبر استبدالها أو ضخ فئات جديدة. ومع تعطل الطرق وصعوبة النقل بسبب الأوضاع الأمنية، تعمقت الأزمة.
وفقًا لبيانات البنك المركزي، يضم الجهاز المصرفي في السودان 38 مصرفًا يتوزع نشاطها عبر 833 فرعًا. ومع ذلك، توقفت نحو 70% من هذه الفروع في المناطق المتأثرة بالنزاع، في حين تواصل 427 فرعًا العمل في الولايات الآمنة.
تحديات الاقتصاد غير الرسمي
قبل الحرب، كانت نحو 80% من الكتلة النقدية تُتداول خارج النظام المصرفي، مما صعّب على البنك المركزي السيطرة على الاقتصاد. ومع تفاقم الأزمة، ازدادت صعوبة توفير السيولة في الأسواق، حيث يضطر التجار في بعض المناطق إلى بيع السلع بأسعار مرتفعة عبر التطبيقات المصرفية. كما أصبحت العملات الأجنبية، مثل “الفرنك التشادي”، أكثر تداولًا في بعض المناطق الحدودية.
خطوات للخروج من الأزمة
أعلنت السلطات طرح فئات نقدية جديدة بقيمة 500 وألف جنيه في محاولة لحماية العملة الوطنية واستقرار سعر صرفها، خاصة في ظل عمليات النهب التي طالت مقرات البنك المركزي ومطابع العملة.
الحلول المقترحة
يرى خبراء مصرفيون أن الحل يكمن في تعزيز الاعتماد على المعاملات الرقمية والدفع الإلكتروني بدلاً من التعامل النقدي، إلى جانب تحسين خدمات الإنترنت لدعم التطبيقات المصرفية. كما يشددون على ضرورة تعزيز الثقة في الجنيه السوداني وتوسيع نطاق الشمول المالي ليصل إلى القرى والمناطق النائية.
الختام
في ظل استمرار النزاع، يواجه السودان تحديات كبيرة لإعادة تنظيم قطاعه المصرفي والاقتصادي. ويبقى تعزيز التعاملات الرقمية وتوفير حلول مبتكرة لضمان سيولة كافية أبرز أولويات المرحلة المقبلة.