البروفيسور طارق الجابري: التراث الطبي العربي والإسلامي يعيد الثقة للجيل الناشئ
لقد لعب الأطباء العرب والمسلمون دورًا محوريًا وجهودًا جبارة في تأسيس الطب كعلم تجريبي. استند الأطباء الغربيون إلى إنجازاتهم، مما أطلق شرارة الطب الحديث. ويؤكد البروفيسور الدكتور طارق الجابري على أهمية إعادة دراسة ونشر التراث الطبي العربي والإسلامي، وتبيانه للأجيال القادمة لتعزيز الفهم العميق للدور البنّاء للحضارة العربية والإسلامية في التطور البشري، ولإعادة الثقة إلى الشباب في هذه الأمة.
البروفيسور الجابري، أستاذ الجراحة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، واستشاري أول في الجراحة العامة والمسالك البولية في مستشفى الملك عبد الله المؤسس في الأردن، يرى ضرورة إعادة الاهتمام بالدور الحضاري العلمي للعلماء العرب والمسلمين خلال عصور النهضة العربية الإسلامية، التي تزامنت مع العصور المظلمة في الحضارة الغربية الأوروبية. يدعو الجابري إلى تسليط الضوء على إسهامات الأطباء العرب الريادية.
لم تقتصر إنجازات البروفيسور الجابري على العمل الأكاديمي والجراحي، بل شملت دراسة تاريخ الطب والجراحة عند الأطباء العرب والمسلمين، إذ أخذ على عاتقه التعريف بها وتسليط الضوء على صفحاتها المشرقة. أصدر الجابري مؤلفين هما “أبو القاسم الزهراوي عميد الجراحين: دراسة علمية معاصرة” و”ابن زهر الطبيب الحكيم: دراسة علمية معاصرة”، وهناك مؤلفان آخران قيد الطبع والتأليف.
التقت “الجزيرة صحة” البروفيسور الجابري في حوار حصري، حيث استعرض أبرز إنجازات العرب والمسلمين في الطب، مؤكدًا أننا نشهد حاليًا استعادة لزمام المبادرة في العديد من البلدان العربية والإسلامية، بما في ذلك الخدمات الطبية، مما يبشر بمستقبل واعد بفضل إنجازات الباحثين العرب والمسلمين في أوطانهم وبلاد المهجر.
حوار مع البروفيسور الجابري:
تاريخ الطب عند العرب
مارس العرب الطب منذ القدم وقبل ظهور الإسلام، حيث تعاملوا مع إصابات الحروب واعتداءات الحيوانات والزواحف. كانت لديهم معرفة بطب الحضارات الأخرى كالفارسية واليونانية. وذكر التاريخ أسماء العديد من الأطباء العرب مثل الحرث بن كلدة الثقفي ورفيدة الأسلمية.
تأثير المسلمين على الطب وأخلاقيات الطب
تميز الأطباء المسلمون بترجمة وتصحيح علوم السابقين وإثراء الطب باكتشافاتهم. من أشهرهم الرازي، ابن سينا، ابن النفيس، والزهراوي، وغيرهم. كانوا يعتبرون الطب مهنة أخلاقية مرتبطة بالقيم الإنسانية، ووضعوا نظام رقابة ومحاسبة لضمان الالتزام بالأخلاقيات.
إسهامات العرب في التشريح وعلم الأمراض
خلافًا لما أشيع عن عدم ممارسة العرب للتشريح، كانت الكتب الطبية الإسلامية تحتوي على فصول مفصلة عن التشريح. وصف الأطباء المسلمون العديد من الأمراض غير الموصوفة سابقًا، وأضافوا إلى علم الأمراض بتفاصيل جديدة ودقيقة.
التشخيص وصحة المجتمع
أكد الأطباء المسلمون على أهمية التشخيص الدقيق قبل العلاج، واستخدموا تقنيات مبتكرة كاستخدام المرآة للنظر إلى الرحم. وصفوا سيرة المريض بالتفصيل وفحصوا جميع الأعراض بدقة.
الوبائيات والتغذية والصحة النفسية
أولوا اهتمامًا كبيرًا بالأمراض الوبائية ووصفوا العديد منها. اهتموا بالتغذية والصحة النفسية، واعتبروا الحالة النفسية جزءًا لا يتجزأ من العلاج. أسسوا مستشفيات متخصصة لعلاج الأمراض النفسية، حيث استخدموا الأدوية والموسيقى والعلاج الطبيعي والنفسي.
تأثير العرب على الطب الحديث
أضاف العرب إضافات لا تُحصى إلى الطب، ووضعوا أساسيات الطب الحديث من خلال إنشاء المستشفيات وكليات الطب وتأليف الكتب التعليمية. أدخلوا مفهوم المنهج التجريبي في الجراحة، وأجروا عمليات تجريبية على الحيوانات، مما ساهم في تطور الطب الجراحي.
أسباب تراجع الطب عند العرب والمسلمين
يرى الجابري أن تراجع الطب عند العرب والمسلمين مرتبط بعوامل داخلية كالتراجع الحضاري وعوامل خارجية كالهجمات الاستعمارية. ومع ذلك، يشير إلى أن هناك بوادر نهضة علمية في العديد من البلدان العربية والإسلامية.
استنتاج
يشدد البروفيسور الجابري على أهمية إعادة دراسة التراث الطبي العربي والإسلامي لتعزيز الثقة بالنفس لدى الشباب وتحفيزهم لاستعادة دورهم الريادي في العلم والحضارة.