البلاستيك: من إنقاذ الأرواح إلى تهديد التنوع البيولوجي والصحة العالمية


قبل أن يصبح البلاستيك مصدر خطر يهدد التنوع البيولوجي والمحيطات والسلسلة الغذائية العالمية، كان اختراعه بمثابة إنجاز ثوري ساهم في تحسين حياة البشر، خاصة مع تطور المجتمع الاستهلاكي الشامل في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
البلاستيك: رمز للتقدم في القرن العشرين
في خمسينيات القرن العشرين والعقود التالية، اكتسب البلاستيك سمعة إيجابية بفضل خصائصه المتعددة مثل خفة الوزن، المقاومة، والتكلفة الاقتصادية. وفقًا لأطلس البلاستيك الصادر عن مؤسسة “هاينريش بول شتيفتنغ”، أصبح البلاستيك جزءًا لا يتجزأ من مختلف جوانب الحياة اليومية.
إنجازات طبية وغذائية بفضل البلاستيك
على الصعيد الطبي، أدت ابتكارات مثل القسطرة البلاستيكية والأكياس والحقن ذات الاستخدام الواحد إلى تحسين مستويات النظافة والصحة، مما أسهم في زيادة متوسط العمر المتوقع. وفي مجال الغذاء، ساعد البلاستيك في تقليل إهدار الطعام من خلال الأغلفة الواقية، مما ساهم في مكافحة الجوع.
رحلة تطور البلاستيك: من المطاط إلى الباكيليت
شهد البلاستيك مراحل تطور طويلة بدأت باستخدام مواد طبيعية مثل المطاط الذي طوره تشارلز غوديير. في عام 1862، تم تصنيع “الباركسين” من السليلوز النباتي، والذي استُخدم في تطبيقات صناعية متعددة مثل كرات البلياردو وأشرطة الأفلام السينمائية.
وفي عام 1907، نجح الكيميائي البلجيكي ليو بيكلاند في الولايات المتحدة في اختراع “الباكيليت”، أول بلاستيك صناعي بالكامل، والذي دخل في تصنيع منتجات مثل صناديق الهواتف ومقابس الكهرباء.
قفزة إنتاجية هائلة: البلاستيك يغزو الحياة اليومية
شهدت خمسينيات القرن العشرين قفزة نوعية في إنتاج البلاستيك باستخدام جزيئات البترول المكررة. تميزت هذه الفترة بإنتاج مواد رئيسية مثل البولي أميد، الذي استخدم في مظلات الإنزال في نورماندي عام 1944، والتفلون المستخدم لاحقًا في أدوات الطبخ.
اليوم، أصبح البلاستيك جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث تضاعف إنتاجه العالمي بمقدار 230 مرة منذ عام 1950، متأثرًا بزيادة عدد سكان العالم ثلاثة أضعاف ليصل إلى 8.2 مليارات نسمة، وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
البلاستيك والبيئة: التحديات الصحية والبيئية
تشير الإحصاءات إلى أن 60% من البلاستيك يُستخدم في التغليف والبناء والنقل، بينما يذهب 10% إلى المنسوجات، و4% للإلكترونيات، و10% للمنتجات الاستهلاكية، و2% للإطارات، و15% لمنتجات متنوعة. ومع ذلك، لا يُعاد تدوير سوى 9% من البلاستيك، فيما يُلقى نحو 22 مليون طن منه سنويًا في البيئة، مما يشكل خطرًا بيئيًا كبيرًا.
منذ عام 2019، تحذر منظمة الصحة العالمية من تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحة الإنسان، حيث ترتبط هذه الجسيمات بمشاكل في الجهاز المناعي، والجهاز التنفسي، واضطرابات الغدد الصماء، وانخفاض معدلات الخصوبة.
ختامًا
رغم الدور الإيجابي الذي لعبه البلاستيك في تحسين حياة البشر، أصبح التحكم في استخدامه وإدارته ضرورة ملحة للحد من تأثيراته السلبية على البيئة والصحة.