اقتصاد

التجارة الخارجية الأميركية ومنظمة التجارة العالمية: التحديات والتوجهات

بلغ إجمالي التجارة السلعية للولايات المتحدة الأميركية في عام 2023 نحو 5.1 تريليونات دولار، ما يمثل 18.7% من ناتجها المحلي الإجمالي البالغ 27.8 تريليون دولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي. وسجلت الصادرات السلعية الأميركية حوالي تريليوني دولار، في حين بلغت الواردات 3.1 تريليونات دولار، مما أدى إلى عجز تجاري قدره 1.1 تريليون دولار.

وعلى الصعيد العالمي، بلغ إجمالي التجارة السلعية حوالي 48 تريليون دولار، ما يعادل 45.5% من الناتج المحلي العالمي البالغ 106.7 تريليونات دولار، مما يجعل حصة الولايات المتحدة من التجارة العالمية نحو 10.6%.

ترامب واستخدام التجارة كورقة ضغط

يُوظّف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ملف التجارة الخارجية كأداة ضغط لتمرير أجندته السياسية، لا سيما في علاقات بلاده مع الصين والاتحاد الأوروبي. كما يرى أن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الروسية قد يكون وسيلة أكثر تأثيرًا من العقوبات الاقتصادية التقليدية لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وفي هذا السياق، يثار تساؤل حول مدى مشروعية استخدام ترامب للرسوم الجمركية كوسيلة للتعامل مع قضايا مثل الهجرة غير النظامية مع المكسيك وكندا، أو لتحقيق توازن في الميزان التجاري مع الصين والاتحاد الأوروبي.

أميركا ومنظمة التجارة العالمية

بعد الحرب العالمية الثانية، ركزت الولايات المتحدة على إنشاء مؤسسات مالية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لكنها لم تدفع باتجاه تأسيس منظمة تعنى بالتجارة العالمية حتى عام 1994، عندما تم إقرار منظمة التجارة العالمية في مؤتمر الدار البيضاء كبديل لاتفاقية “غات” (GATT)، لتدخل حيز التنفيذ عام 1995.

تضطلع المنظمة بتنظيم التجارة العالمية عبر اتفاقيات متعددة، أبرزها مكافحة الإغراق، مكافحة الدعم، الحماية الفكرية، وحرية الاستثمار. وتعتبر هيئة فض المنازعات الجهة المسؤولة عن الفصل في الشكاوى بين الدول الأعضاء.

ورغم الوعود الأميركية والأوروبية للدول النامية بانفتاح الأسواق ونقل التكنولوجيا، لم يتحقق الكثير من هذه الالتزامات على مدار العقود الثلاثة الماضية.

محاولات ترامب عرقلة منظمة التجارة

خلال ولايته الأولى، عزز ترامب السياسات الحمائية التجارية، مهددًا بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية ورافعًا الرسوم الجمركية خارج نطاق المنظمة. كما عرقل تعيين قضاة في هيئة فض المنازعات، مما أدى إلى تعطيل عملها منذ عام 2019.

ويُنظر إلى نهجه الجديد في توظيف الرسوم الجمركية لتحقيق أهداف سياسية، على أنه تهديد للنظام التجاري الدولي، وهو ما عبر عنه ممثل البرازيل في دافوس بقوله: “استخدام الرسوم الجمركية لأغراض سياسية يُضر بالنظام القائم على القواعد”.

مخالفات أميركية سابقة للتجارة العالمية

سبق أن فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على واردات من الاتحاد الأوروبي واليابان خلال ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وتكرّر الأمر في عهد ترامب، مما دفع الدول المتضررة إلى تقديم شكاوى أمام منظمة التجارة العالمية.

وفي السياق ذاته، حذرت المديرة العامة لمنظمة التجارة، تجوزي أكونجور إيويلا، من أن السياسات الحمائية والرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي.

مستقبل منظمة التجارة في ظل سياسات ترامب

مع احتمال عودة ترامب إلى السلطة، يترقب العالم تداعيات سياساته التجارية، سواء بتجاهله المنظمة أو بمحاولة تهميشها. وفي المقابل، قد تدفع تصرفاته الدول الأخرى إلى تشكيل تحالفات جديدة لمواجهة توجهاته الحمائية، بما قد يسهم في إعادة رسم النظام التجاري العالمي.

فهل ستتمكن منظمة التجارة العالمية من الصمود أمام التحديات التي يفرضها ترامب، أم أن الولايات المتحدة ستقود تحولًا جذريًا في هيكل النظام التجاري الدولي؟

زر الذهاب إلى الأعلى