التصعيد الإسرائيلي على الجبهة اللبنانية: حرب شاملة أم مواجهة محدودة؟
في يوم الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول، وبينما كانت أجهزة البيجر تتفجر في أجساد اللبنانيين، زار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قاعدة رامات ديفيد الجوية، أكبر القواعد العسكرية في شمال إسرائيل وواحدة من أهم ثلاث قواعد جوية في الدولة. من هناك، أعلن أن “مركز الثقل يتحرك شمالاً”، مُدشنًا ما أسماه “مرحلة جديدة من الحرب”.
في اليوم التالي، 19 سبتمبر/أيلول، شنَّت إسرائيل سلسلة غارات هي الأكثر كثافة على لبنان منذ بداية حربها على غزة قبل نحو عام، وربما كانت الأشد ضراوة منذ سنوات، وفقًا لمصادر لبنانية تحدثت لوكالة “رويترز”. استهدفت هذه الغارات قرى جنوبية مثل عدشيت القصير، قبريخا، بني حيان، مركبا، ورب ثلاثين، ومناطق أخرى يسكنها مئات الآلاف. كما اخترقت الطائرات الحربية الإسرائيلية حاجز الصوت فوق بيروت، بهدف تخويف السكان.
استمر القصف بشكل يومي حتى الأحد والاثنين 22 و23 سبتمبر/أيلول، حيث ازدادت الغارات عنفًا. أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف نحو 1300 موقع لحزب الله في جنوب وشرق لبنان، متزامنًا مع تحركات عسكرية على الأرض، فيما بدا وكأنه استعداد لمرحلة تصعيدية أكبر.
وقبل بدء التفجيرات، نشر الجيش الإسرائيلي الفرقة 98 المؤلفة من 10,000 إلى 20,000 جندي من الكوماندوز والمظليين إلى الشمال، بالإضافة إلى الفرقة المدرعة 36 التي تم إعادة نشرها من غزة في وقت سابق من العام. يضاف إلى ذلك وجود الفرقة 91 المسؤولة عن تأمين الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فضلاً عن القوات الاحتياطية.
كل هذه التحركات أثارت التساؤلات حول مستقبل الصراع في لبنان، حيث يخشى مراقبون أن تكون تفجيرات أجهزة البيجر مجرد خطوة أولى ضمن سيناريو اجتياح شامل للجنوب اللبناني وربما للعاصمة بيروت، وهو ما قد يشعل حربًا إقليمية تتجاوز حدود لبنان، وفقًا لتحليلات خبراء.
في المقابل، تسعى الجهات الإقليمية والدولية جاهدة لاحتواء التصعيد، خوفًا من أن تتحول المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلى واقع يتجاوز الحرب الدائرة حاليًا في غزة، والتي دخلت عامها الأول.
تشير دراسة صدرت عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في مارس/آذار 2024، إلى وجود خيارين أمام إسرائيل للتعامل مع حزب الله: الأول هو الانخراط في حرب محدودة للضغط على الحزب، والثاني هو شن حرب شاملة بهدف تدمير قدراته. الحرب المحدودة تعني استمرار القصف المنتظم على أهداف في جنوب لبنان، بينما ستواصل المقاومة اللبنانية إطلاق الصواريخ عبر الحدود، مما قد يُبقي الصراع في حالة توازن دون أن يتطور إلى مواجهة شاملة.
في حالة الحرب الشاملة، من المتوقع أن تركز إسرائيل على تدمير منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله ومواقعه العسكرية، خاصة قرب الحدود، مع محاولة دفع قواته بعيدًا إلى نهر الليطاني. وتعد الضربات الجوية المتواصلة في الوقت الحالي مقدمة لهذه الحرب المحتملة.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي قد تواجهها إسرائيل في هذه الحرب، مثل قدرة حزب الله على التكيف السريع والمرونة التكتيكية، تظل إسرائيل تعتمد على تفوقها الجوي، إلا أن الدفاعات الجوية لحزب الله قد تجبر الطائرات الإسرائيلية على التحليق على ارتفاعات أعلى، مما يقلل من دقة الضربات.
توقع تقرير آخر أن حزب الله قد يتمكن من إطلاق ما بين 2500-3000 صاروخ يوميًا في حال اندلاع حرب، مما قد يستنزف الدفاعات الإسرائيلية مثل القبة الحديدية خلال أيام قليلة من القتال. وبذلك، ستكون إسرائيل في مواجهة تحديات غير مسبوقة قد تطال بنيتها التحتية الحيوية.
وفي النهاية، يرى المحللون أن هذه الحرب، سواء كانت محدودة أو شاملة، قد تجر لبنان والمنطقة بأكملها إلى مرحلة جديدة من الصراع، مع عواقب يصعب التنبؤ بها على المستويين السياسي والعسكري.