الأخبار العالمية

الدعم الأمريكي لإسرائيل: الحجم والأهداف ومجالات التوجيه

الدعم الأمريكي لإسرائيل: الحجم والأهداف ومجالات التوجيه

“الدعم الأمريكي لإسرائيل: التاريخ والحجم ومجالات التوجيه”

إسرائيل تعتبر أكبر متلقية للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل في الفترة من عام 1946 حتى عام 2023 نحو 158.6 مليار دولار، وفقًا للمؤشرات الرسمية الأمريكية. ومن جانبها، تشير بيانات “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” إلى أن حجم المساعدات يفوق هذا الرقم بكثير، حيث وصل إجمالي المساعدات الأمريكية الملتزم بها لإسرائيل في نفس الفترة إلى حوالي 260 مليار دولار.

وترتكز معظم المساعدات الأمريكية لإسرائيل على الجانب العسكري، حيث بلغ حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في الفترة نفسها نحو 114.4 مليار دولار، وتضمنت أيضًا تخصيص نحو 9.9 مليارات دولار لمجال الدفاع الصاروخي.

يعود تاريخ الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى عام 1948، حينما اعترفت الولايات المتحدة بتأسيس دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، استمرت العلاقة بين البلدين بالتعاون والدعم المستمر في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي، بالإضافة إلى التعاون في ميادين مثل التعليم والصحة والطاقة والبحث العلمي.

تعكس حجم الدعم الأمريكي لإسرائيل التفاني والاهتمام البالغ الذي تمنحه الإدارات الأمريكية المتعاقبة للعلاقات مع إسرائيل، ويعكس أيضًا الأهداف الإستراتيجية المشتركة بين البلدين والتي تجعل إسرائيل شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

الأسباب والعوامل

كان اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط في الأصل مرتبطًا بالمصالح الاقتصادية، والعلاقات التجارية، والنشاطات التبشيرية. ولكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح من الواضح أن أهمية المنطقة تتجاوز ذلك بكثير، حيث أصبحت مسرحًا رئيسيًا لصراع الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي. هذا التحول تزامن مع اكتشاف مصادر النفط في المنطقة ودخول شركات النفط الأمريكية إلى العالم العربي، حيث بدأت تلك الشركات بالتعامل مع ما نسبت إلى أكثر من ثلثي إنتاج النفط العربي المعروض في الأسواق العالمية.

بالمقابل، بدأت إسرائيل في توجيه انتباهها وجهودها نحو الولايات المتحدة بمجرد توليها موقع القيادة العالمية. ووجدت إسرائيل في الولايات المتحدة داعمًا قويًا وشريكًا مخلصًا، حيث أصدر الحزب الجمهوري في يونيو 1944 قرارًا داعيًا إلى “استقبال اليهود الذين طردوا من أوطانهم” وفتح أبواب فلسطين لهم للهجرة غير المقيدة، والسماح لليهود بامتلاك الأراضي فيها.

سرعان ما أدركت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التحديات السوفياتية وحلفائهم من القوميين والثوار العرب. وزادت أهمية إسرائيل بشكل كبير بعد انتصارها في حرب عام 1967، مما جعلها شريكًا لا غنى عنه للولايات المتحدة في حماية مصالحها وإضعاف نفوذ الاتحاد السوفياتي في المنطقة.

وبعد حرب عام 1973 والأزمة النفطية التي نجمت عنها، وظهور الثورة الإسلامية في إيران، وظهور حركات إسلامية أخرى، زادت أهمية إسرائيل في تشكيل خط دفاع متقدم ضد الشيوعية ودورها في قمع الحركات الراديكالية وتقويتها. وأصبحت إسرائيل وسيلة للسيطرة على المنطقة وحماية مواردها، بما في ذلك الموارد البترولية وتأمينها.

وبعد انتهاء الحرب الباردة، لم تتغير أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، بل زادت أهمية دور إسرائيل في تحقيق أهدافها واستراتيجيتها.

مازالت إسرائيل تلعب دورًا رئيسيًا في إضعاف الدول العربية والمنطقة بشكل عام، وفي تعزيز الخلافات بين الأطياف السنية والشيعية. ومن ثم، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تظل مستدامة واستراتيجية، مع استمرار تعزيز التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات بما في ذلك الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا.

هذا التحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يقتصر على السياسة الخارجية فقط، بل يمتد أيضًا إلى الشؤون الداخلية للبلدين. فقد أصبح لديهما مصالح مشتركة في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الأمن السيبراني والصحة والطاقة والبحث العلمي. وهذا يعكس عمق وتعقيد العلاقة بين البلدين والتزامهما المشترك في تحقيق الأهداف الاستراتيجية.

اللوبي الصهيوني

سعت الحركة الصهيونية إلى تعزيز تأثيرها وحضورها لدى صناع القرار في الولايات المتحدة في مراحل مبكرة، وتشكل ما يعرف بـ “اللوبي الصهيوني” واحدًا من أقوى وأكثر الجماعات تأثيرًا في السياسة الأميركية، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

جذور نفوذ اللوبي الصهيوني تعود إلى العائلات اليهودية الثرية في الولايات المتحدة، وذلك قبل مؤتمر بازل وحتى قبل أن تضع الولايات المتحدة رؤية أو سياسة واضحة تجاه الشرق الأوسط.

اللوبي الصهيوني هو تحالف متنوع يضم مجموعة من الهيئات والمؤسسات والشخصيات العاملة في الولايات المتحدة والتي تدعم إسرائيل. من أبرز هذه الجماعات “اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة” (AIPAC) و “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى” و “رابطة مكافحة التشهير”، بالإضافة إلى المجموعات المسيحية الصهيونية مثل “المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل”.

يظهر دور اللوبي الصهيوني بشكل بارز في الحفاظ على التأييد الأميركي لإسرائيل على مستوى السياسة والعسكرة والدبلوماسية، ويكون له دور حيوي خلال الفترات الحرجة من خلال ممارسته لضغط على صناع القرار الأميركيين لدعم إسرائيل والتمسك بدعمها وتعزيز مصالحها في المنطقة.

أشكال الدعم الأميركي لإسرائيل

أولا: الدعم السياسي

تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل يعود إلى فترة تأسيس إسرائيل كدولة مستقلة. كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة، وذلك عقب إعلان إسرائيل عن قيامها في 14 مايو 1948. أصدر الرئيس هاري ترومان بيانًا رسميًا للاعتراف بإسرائيل في ذلك الوقت.

في 28 مارس 1949، تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل عندما قدّم السفير الأميركي جيمس غروفر ماكدونالد أوراق اعتماده للحكومة الإسرائيلية. منذ ذلك الحين، أصبحت العلاقات بين البلدين وثيقة ومتشابكة، وترتبط بمصالح مشتركة في الشرق الأوسط.

الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل شريكًا رئيسيًا في المنطقة وتسعى دائمًا لدعمها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. تستند هذه الدعم إلى عدة عوامل، بما في ذلك العلاقات التاريخية والتزام الولايات المتحدة بأمان إسرائيل وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

رغم وجود توترات وخلافات من وقت لآخر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن الدعم السياسي والدبلوماسي لإسرائيل لم يتأثر بشكل كبير. يظهر التزام كل رئيس أميركي بأمان إسرائيل ودعمها، سواء كان عضوًا في الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري، وذلك بناءً على الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة.

حق النقض “الفيتو”

استغلت الولايات المتحدة منصات المؤسسات الدولية البارزة، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بهدف دعم إسرائيل ومنع صدور قرارات تدينها أو تدعوها للانسحاب من الأراضي المحتلة. تجلى هذا الدعم في استخدام حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر لصالح إسرائيل. وكانت أميركا أول من استخدم حق النقض لصالح إسرائيل في عام 1972، ومن ثم استمرت في استخدامه لدعم إسرائيل في العديد من المناسبات على مر السنوات، وصلت إلى مرات عدة.

على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في أكتوبر 2023 لمنع مشروع قرار قدمته البرازيل يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة بعد الهجمات الإسرائيلية هناك. تلك القرارات والمشروعات المعارضة لإسرائيل تجد دائمًا عائقًا أمامها بفضل استخدام الولايات المتحدة لحق النقض.

بالإضافة إلى ذلك، على مر العقود، رفضت الولايات المتحدة معظم قرارات الأمم المتحدة التي تسعى للدعم الدولي للحقوق الفلسطينية، وقد قدمت الحماية والغطاء لإسرائيل للتقليل من تنفيذ هذه القرارات أو تجاهلها.

مع تطور الأمور، زادت الإجراءات الأميركية العدائية تجاه الدول والمؤسسات التي تصوت ضد إسرائيل. فقد تم فرض عقوبات سياسية واقتصادية على الدول التي تندد بسياسات إسرائيل أو تصوت ضد دعمها في المنظمات الدولية. وفي إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من عدة مؤسسات دولية وقفت ضد إسرائيل وأوقفت دعمها المالي لهذه المؤسسات تمامًا.

اتفاقات سلام لصالح إسرائيل

الولايات المتحدة رعت عمليات التفاوض بين الدول العربية وإسرائيل، والتي أصبحت معروفة بمسمى “عملية السلام”. ومع ذلك، لم تتخذ إجراءات جادة للضغط على إسرائيل من أجل التقبل بالحقوق العربية خلال هذه المفاوضات. بالعكس، ساندت الولايات المتحدة إسرائيل بقوة خلال جولات المفاوضات، وأسفرت عن ذلك اتفاقيات سلام أعطت إسرائيل مزيدًا من الفوائد على حساب الحقوق العربية والفلسطينية.

وعندما بدأت الإدارة الأميركية في استخدام مصطلح “الدولة الفلسطينية” في خطاباتها، ارتبط ذلك بشرط أن تكون هذه الدولة مفرغة من السلاح وأن يتم ضمان أمن إسرائيل أولاً وقبل كل شيء.

بالإضافة إلى ذلك، تجاهلت الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع الأراضي المحتلة، ولاحظت بإزدراء عدم تطابق هذا التعامل مع السياسة الأميركية المعلنة.

ثانيا: الدعم العسكري

بدأت المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل عام 1949، ولكن التعاون العسكري الفعلي بينهما انطلق بشكل ملموس عام 1952 بعد توقيعهما اتفاقاً للدعم اللوجستي الثنائي، وتلا ذلك اتفاق يمتد ليشمل التعاون السياسي والأمني.

ومنذ عام 1958، بدأت إسرائيل تتلقى مساعدات أمنية وعسكرية من الولايات المتحدة، وأصبحت هذه المساعدات دائمة بعد انتهاء حرب 1967، بعد أن أنهت فرنسا علاقاتها الأمنية مع إسرائيل.

أحداث حرب عام 1973 كانت لها دور كبير في زيادة الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل. وقد قامت الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بكميات هائلة من الأسلحة خلال وبعد الحرب من خلال جسر جوي، وساعدت في إعادة بناء القوة العسكرية الإسرائيلية التي تأثرت بسبب الصراع.

وبعد توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، زادت المساعدات الأميركية بشكل كبير، وفي عام 1985، تم التوصل إلى اتفاق بين شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك وجورج شولتز وزير الخارجية الأميركي حيث تم التوافق على منح منحة سنوية بقيمة 3 مليارات دولار لإسرائيل تغطي معظمها الأمن وشراء المعدات العسكرية.

ووصل حجم المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل في الفترة من عام 1946 وحتى عام 2023 إلى نحو 114.4 مليار دولار وما يقدر بنحو 9.9 مليارات دولار للدفاع الصاروخي.

في عام 2016، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل مذكرة تفاهم تستمر لمدة عشر سنوات تغطي الفترة من 2019 إلى 2028، تحدد الدعم العسكري لإسرائيل خلال هذه الفترة.

وفقًا للمذكرة، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل، مقسمة إلى 33 مليار دولار من منح التمويل العسكري الأجنبي و5 مليارات دولار من مخصصات الدفاع الصاروخي.

تُصرف المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل في وقت مبكر من العام وتُحول إلى حساب بفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. إن إسرائيل استفادت من الفوائد المحصلة على هذه المساعدات لسداد ديونها للوكالات الحكومية الأميركية وتغطية مصروفات أخرى.

منح التمويل العسكري الأجنبي التي تقدمها الولايات المتحدة تمثل نحو 16% من الميزانية العسكرية الإسرائيلية، حسب خدمة أبحاث الكونغرس. تُستخدم هذه المساعدات لشراء الأسلحة وتطوير الدفاعات الصاروخية بما في ذلك القبة الحديدية. وتتعهد الولايات المتحدة بتوفير الأسلحة وأجهزة السيطرة والتحكم والاتصالات والاستخبارات وجمع المعلومات.

بالإضافة إلى الدعم المالي، هناك تعاون مشترك عسكري وتكنولوجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل يشمل التدريبات العسكرية المشتركة والبحوث وتطوير الأسلحة والتعاون في مجال جمع المعلومات والاستخبارات. تتجاهل الولايات المتحدة حيازة إسرائيل لأسلحة نووية.

ونتيجة للدعم العسكري المستمر من الولايات المتحدة، أصبحت القوات المسلحة الإسرائيلية من أكثر الجيوش تقدمًا من الناحية التكنولوجية في العالم. واعترف الكونغرس الأميركي عام 2008 بأن إسرائيل قادرة على التصدي لأي تهديد تقليدي من دولة منفردة أو تحالف لعدة دول أو مجموعات وتنظيمات غير دولية.

وقد ساهمت المساعدات العسكرية الأميركية في تطوير صناعة الدفاع الوطني الإسرائيلية، حتى أصبحت إسرائيل من أكبر مصدري الأسلحة على مستوى العالم، حيث تصدر شركات الدفاع الإسرائيلية ما يقرب من 70% من منتجاتها. وفي عام 2019، اشترت القوات المسلحة الأميركية معدات إسرائيلية بقيمة 1.5 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بمقدار خمسة أضعاف

زر الذهاب إلى الأعلى