الدينار الليبي يفقد أكثر من 75% من قيمته في 7 سنوات: تحديات اقتصادية وحلول مطروحة

تعرضت العملة المحلية الليبية، الدينار، لانتكاسة قاسية حيث فقدت أكثر من 75% من قيمتها على مدار السنوات السبع الماضية، وفقًا لإحصاءات المصرف المركزي. ويأتي هذا في وقت حساس بعد أن قام المصرف المركزي بتخفيض قيمة الدينار لأول مرة منذ عام 2020 بنسبة 13.3% أمام العملات الأجنبية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الليبي من اختلالات هيكلية وضعف القدرة الشرائية وتآكل الدخل الحقيقي وارتفاع مستويات التضخم.
وبرر المصرف المركزي خطوة تخفيض قيمة الدينار بزيادة الإنفاق المزدوج من حكومتي الشرق والغرب، حيث تجاوز حجم الإنفاق العام العام الماضي حاجز 224 مليار دينار (حوالي 46 مليار دولار)، مما عمق أزمة الدين العام، التي وصلت إلى 270 مليار دينار (حوالي 55.7 مليار دولار). كما توقع المصرف أن تتسع الفجوة المالية لتتجاوز 330 مليار دينار (حوالي 68 مليار دولار) بنهاية العام الحالي في حال عدم توحيد الميزانية.
من جهته، اعتبر مراجع غيث، وكيل وزارة المالية سابقًا، أن مبررات المصرف المركزي لتخفيض قيمة الدينار لا تدخل ضمن اختصاصاته، بل هي مسؤولية الحكومة، التي يجب عليها التوقف عن التوسع في الإنفاق العام. وأشار غيث إلى أن توقيت القرار غير مناسب في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، حيث يعاني الدينار من تآكل مستمر في قيمته.
وفي السياق ذاته، أشار أستاذ الاقتصاد علي الصلح إلى أن تحديد المصرف المركزي لسعر صرف غير متوازن قد أدى إلى فقدان استقلاليته في اتخاذ القرارات النقدية، مما مهد الطريق لهيمنة الحكومة على سياسات السوق.
من جانب آخر، يرى الخبير الاقتصادي منذر الشحومي أن قرار المصرف المركزي، رغم التكاليف الاجتماعية المباشرة المرتبطة به، هو خيار اضطراري في ظل غياب البدائل الواقعية على المدى القصير. ولكنه وصفه بـ “المسكن المؤقت”، مؤكدًا أن الدينار سيظل عرضة لتقلبات حادة دون إصلاحات مالية شاملة. وأشار الشحومي إلى إمكانية التخفيف من حدة الأزمة عبر اتخاذ إصلاحات جذرية مثل إدخال الأصول العقارية غير المخططة في الدورة الاقتصادية، تحسين الجباية الجمركية والضريبية، وتنويع مصادر الإيرادات العامة بعيدًا عن تقلبات أسعار النفط.
أما بشأن الفجوة السعرية بين الدولار في السوق الرسمية والموازية، فقد أرجع غيث ذلك إلى ضعف الرقابة على استخدام النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن السوق السوداء تتغذى من ضعف آليات الاعتمادات المستندية و”مخصصات الأغراض الشخصية” التي تحولت إلى قناة للمتاجرة بالعملة.
من جانب آخر، قال النائب في البرلمان عبد المنعم العرفي إن البرلمان سيعقد جلسة في نوفمبر المقبل مع محافظ المصرف المركزي لشرح أسباب اتخاذ قرار فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي وتخفيض قيمة الدينار، كما سيبحث مستقبل الدينار الليبي والوضع الاقتصادي بشكل عام.
وفيما يتعلق بالإصلاحات المطلوبة لاستعادة الثقة في الاقتصاد، يرى الصلح أن التنسيق المتكامل بين السياسات الاقتصادية والتجارية والنقدية والمالية أمر أساسي، وأنه يجب تحديد حجم الطلب الكلي الذي يمكن للمصرف المركزي الدفاع عنه.
وفيما يتعلق بالحلول العاجلة، دعا الشحومي إلى كبح جماح الإنفاق العام، لا سيما في مجالات المرتبات والدعم، وتقليص الجهاز الإداري وترشيد الإنفاق الخارجي. كما أكد على ضرورة تعزيز أدوات السياسة النقدية لتحسين إدارة السيولة والسيطرة على أسعار النقد الأجنبي.
أما في ما يخص تعويم الدينار، أشار غيث إلى أن المصرف المركزي يلاحق السوق السوداء، وإذا استمرت هذه الحالة، فقد يكون من الأفضل للمصرف أن يقوم بتعويم العملة المحلية وتحديد سعرها وفقًا لآليات العرض والطلب. لكنه أضاف أن التعويم في الظروف الحالية يعد خيارًا غير مناسب في ظل سيطرة المصرف المركزي على النقد الأجنبي.
وفي الختام، أكد الشحومي أن إنقاذ الدينار الليبي لا يقتصر على قرارات نقدية فقط، بل يتطلب تحفيز النمو الاقتصادي الحقيقي، خصوصًا من خلال إعادة تفعيل القطاعات الإنتاجية وتحقيق استقرار مالي مستدام.