السيارات ذاتية القيادة: الثورة القادمة في عالم النقل


تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن حوادث الطرق تتسبب سنويًا في وفاة حوالي 1.2 مليون شخص، وإصابة ما بين 20 و50 مليونًا آخرين بجروح غالبًا ما تؤدي إلى تغييرات جذرية في حياتهم. انطلاقًا من هذه الإحصائيات المقلقة، صرّح لاري بيرنز، الأستاذ بجامعة ميشيغان والمستشار السابق لشركة غوغل، قائلاً: “السيارات ذاتية القيادة هي بمثابة لقاح قد ينقذ حياة الملايين على الطرق.”
البداية: من دافنشي إلى الذكاء الاصطناعي
يرجع تاريخ فكرة المركبات ذاتية القيادة إلى القرن الخامس عشر، عندما صمّم ليوناردو دافنشي عربة ذاتية الدفع. لكن التطور الفعلي بدأ عام 1969، حينما طرح جون مكارثي، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، إمكانية تطوير سيارات مستقلة تمامًا، مما حفّز الأبحاث في هذا المجال. وبعد سنوات من التجارب، شهد عام 1986 ولادة أول نموذج تجريبي لسيارة ذاتية القيادة، بفضل البروفيسور الألماني إرنست ديكمانس وفريقه في جامعة ميونخ، حيث قاموا بتطوير سيارة مرسيدس بنز مزوّدة بأنظمة رؤية حاسوبية، نجحت في القيادة بسرعة 100 كم/ساعة دون تدخل بشري.
في عام 2009، أطلقت غوغل مشروعها للسيارات ذاتية القيادة، الذي أصبح لاحقًا شركة وايمو (Waymo)، مما دفع شركات عالمية أخرى للاستثمار في هذه التقنية. ومع ذلك، لم يكن التقدم سريعًا بسبب التحديات التقنية، التي تتطلب دمج تقنيات متطورة، تشمل:
- الكاميرات لرصد البيئة المحيطة
- الرادارات لقياس المسافات وسرعة الأجسام القريبة
- نظام ليدار (LiDAR) لإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة
- نظم الاتصالات بين المركبات (V2V) ومع البنية التحتية (V2I)
- نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)
تعتمد السيارات ذاتية القيادة على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات واتخاذ قرارات فورية مثل التوقف المفاجئ أو تغيير المسار لضمان القيادة الآمنة.
مستويات أتمتة القيادة
وضعت جمعية مهندسي السيارات الأميركية (SAE) تصنيفًا يتضمن ستة مستويات من أتمتة القيادة، تبدأ من المستوى 0 (بدون أتمتة) إلى المستوى 5 (أتمتة كاملة).
- المستوى 1: ظهر في تسعينيات القرن الماضي مع شركات مثل مرسيدس بنز وتويوتا وبي إم دبليو، حيث تضمنت السيارات ميزات مساعدة في التوجيه أو التحكم في السرعة، لكن السائق ظل مسؤولًا بالكامل عن القيادة.
- المستوى 2: قدمت تسلا هذا المستوى عام 2015، حيث أصبح بإمكان السيارة التحكم في التوجيه والحفاظ على المسافة من المركبات الأخرى، لكن السائق لا يزال بحاجة إلى التدخل عند الضرورة.
- المستوى 3: في 2022، حصلت مرسيدس بنز على شهادة دولية للقيادة الذاتية من المستوى الثالث في ألمانيا، مما سمح للسيارات بقيادة ذاتية مشروطة في ظروف محددة، مثل الطرق السريعة.
- المستوى 4: تستخدم وايمو مركبات من هذا المستوى في بعض مناطق فينيكس – أريزونا، كما حصلت شركات مثل بوني.إيه آي (Pony.ai) ووي رايد (WeRide) على تصاريح لاختبار هذا المستوى في الصين والإمارات.
- المستوى 5: وهو المستوى الأعلى، حيث لا تحتاج السيارة إلى سائق أو عجلة قيادة، ولا تزال هذه التقنية قيد البحث، مع توقعات بإطلاقها تجاريًا بحلول عام 2030.
التوجه العربي نحو السيارات ذاتية القيادة
تختلف الدول العربية في مدى جاهزيتها لاستقبال هذه التقنية. وفق تقرير تنمية الحكومة الإلكترونية 2024 الصادر عن الأمم المتحدة، احتلت الإمارات المركز الأول عالميًا في البنية التحتية للاتصالات، تليها الكويت (الثانية عالميًا) وقطر (الخامسة عالميًا). أما فيما يخص جودة الطرق، فقد جاءت الإمارات (المرتبة 5 عالميًا)، وقطر (المرتبة 9 عالميًا)، والسعودية (المرتبة 15 عالميًا).
إلا أن جاهزية الطرق والاتصالات وحدها لا تكفي لتبني المركبات ذاتية القيادة من المستويات المتقدمة، إذ تحتاج الطرق إلى تجهيزات خاصة تسمح بالتواصل الذكي بين المركبات والبنية التحتية، وهو ما يُعرف بـ الطرق الذكية المتصلة (Smart Connected Roads).
خطط الدول العربية
- الإمارات: أعلنت دبي عام 2016 عن خطة لجعل 25% من المركبات ذاتية القيادة بحلول 2030.
- السعودية: توقعت المملكة أن تصل نسبة المركبات ذاتية القيادة إلى 15% بحلول 2030.
- قطر: في 2023، أطلقت وزارة المواصلات خطة لتنظيم استخدام السيارات ذاتية القيادة، لكن لم تحدد المستوى المستهدف.
المستقبل والتحديات
تمثل السيارات ذاتية القيادة إحدى ركائز المدن الذكية، ولكن التحديات التقنية، مثل ضمان السلامة في البيئات المعقدة وتطوير التشريعات اللازمة، لا تزال عوائق أمام انتشارها الواسع. ومع ذلك، فإن التطور السريع في الذكاء الاصطناعي والحوسبة قد يجعل الحلم أقرب إلى الواقع خلال العقد المقبل.