العمل الحر عبر الإنترنت: آفاق جديدة تتسع أمام شباب العالم
الاقتصاد العالمي يشهد نمواً متسارعاً لظاهرة العمل الحر عبر الإنترنت، حيث يُعتبر هذا النوع من الاقتصاد، المعروف أحياناً بـ ‘اقتصاد الوظائف المؤقتة’، توجهًا متناميًا يشكل نحو 12% من سوق العمل العالمي ويوظف ما يقارب 435 مليون شخص على مستوى العالم. وفي الدول النامية، تُفتح منصات العمل الحر عبر الإنترنت فرصًا فريدة. والربح عبر الانترنت من المنزل
مما يُمكّن الشباب والنساء والأفراد في المناطق النائية من الدخول إلى سوق العمل والاستفادة من إمكانيات كبيرة. ورغم الارتباط الشائع بين اقتصاد العمل الحر المؤقت واقتصاد العمل الحر المستقل، إلا أنهما يُميزان بينهما، حيث يستند الأول إلى الوظائف المؤقتة والمتاحة لجميع الفئات.
بينما يعتمد الثاني على العمالة المحترفة والمؤهلة، ويتجاوز حجمه 46.7% من إجمالي القوى العاملة العالمية، وتشير التوقعات إلى ازدياد قيمته إلى 9.19 مليار دولار بحلول عام 2027، مما يجسد التطور والنمو المستمر في هذا القطاع، وفقًا لمنصة ‘إكسبلودينغ توبيكس’.
وظائف مرنة لا تتطلب مستوى عاليا من التدريب
يعبر المصطلح الأول عن سوق العمل الذي يتسم بانتشار الوظائف المؤقتة والمرنة بدوام جزئي، حيث يعمل فيها أفراد مستقلون ذوو مستوى متدنٍ من التدريب والتأهيل، مثل سائقي سيارات الأجرة (أوبر)، وعمال توصيل الطلبيات، ومصممي الجرافيك، وأصحاب الإيجار القصير للمنازل عبر الإنترنت، وهناك العديد من المنصات الأخرى التي تلبي احتياجات متنوعة في مختلف الصناعات والمهن. يتم هذا العمل عادةً عبر تطبيقات خاصة على الإنترنت، ويُعتبر مصدر دخل إضافي للعمال في كثير من الحالات، ويمكن أن يكون المصدر الرئيسي للدخل في بعض الأحيان، خاصة في الدول النامية التي تعاني من مشكلة التوظيف للشباب.
تتيح هذه الوظائف للعمال الحصول على المرونة والاستقلالية، ولكن بتضحية بعض الأمان الوظيفي، أو حتى بدونه. يُحقق بعض أصحاب العمل توفيرًا ماليًا عن طريق تجنب دفع المزايا والحقوق، مثل التأمين الصحي والإجازات المدفوعة الأجر، وغيرها من المزايا، وفقًا لما أشارت إليه منصة “إنفستوبيديا.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت مصدرًا ضروريًا للدخل في فترات الصدمات والانتقالات، كما حدث خلال جائحة كورونا، حيث يسهم في بناء مهارات العمالة الشابة والتي تفتقر إلى حظوظ كافية في التعليم. يقدم هذا النوع من العمل فرصًا مرنة للجميع ويُساعد في تعزيز المهارات الرقمية.
تُوفر منصات العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت مصدرًا فعّالًا من حيث التكلفة لتوظيف العمالة ذات التكلفة المنخفضة في الشركات الصغيرة والناشئة، وبالتالي تُساعد هذه الشركات في الحفاظ على الإنتاجية وتعزيز المرونة، وتكييفها مع التغيرات السريعة في سوق العمل.
وتيرة أسرع في الدول النامية
ووفقًا لتقرير البنك الدولي، يُلاحظ أن الطلب على العمالة الحرة عبر الإنترنت في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط يشهد زيادة ملحوظة، حيث يسجل معدل نمو أسرع بكثير مقارنة بالدول الصناعية. في أفريقيا، ارتفعت إعلانات الوظائف المُعلنة على منصة كبيرة للعمالة الحرة بنسبة تصل إلى 130%، بينما لم يتجاوز معدل نموها في أميركا الشمالية 14% في الفترة من 2016 إلى 2020.
ويُثير الاهتمام أن الشريحة الاقتصادية الدنيا في البلدان النامية والمتوسطة الدخل تشكل حصة أكبر في الطلب على العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت مقارنةً بالشريحة العليا في تلك البلدان. يعزى هذا التفوق إلى استجابتها الفعّالة لاحتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
مشاكل وتحديات
وفي سياق مماثل، أفادت البنك الدولي في تقرير آخر بعنوان “عمل بلا حدود: وعود وأخطار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت” بأن الغالبية العظمى من العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت تواجه مجموعة من المخاطر، مثل عدم استقرار الدخل، وصعوبة ظروف العمل، وتحديات القدرة على التوفير. ويظهر أن هؤلاء العمال لا يتمتعون بحماية اجتماعية أو صحية، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث أن أكثر من 90% من القوى العاملة غير مشمولة في نظم التأمين الاجتماعي وتفتقر إلى تغطية قوانين العمل في تلك البلدان وفقًا لتقرير البنك الدولي.
وشجع البنك الدولي حكومات الدول على التحرك لتوسيع نطاق حماية الضمان الاجتماعي. وتعتبر بعض الدول في جميع أنحاء العالم أن هذا الاتجاه ضروري، حيث تعمل مع المنصات والشركات المسؤولة عن هذا النوع من العمل لضمان اندماج العمال في أنظمة التأمين الاجتماعي. كمثال على ذلك، قامت حكومة ماليزيا بالتعاون مع إحدى منصات العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت لتقديم مساهمة تبلغ 5% للعمال المشتركين في برنامج مدخرات التقاعد الحكومي ومؤسسات الضمان الاجتماعي.
آفاق جديدة
على الرغم من أن العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت يظل تطورًا سريعًا وشكلًا حديثًا للعمل، إلا أنه يجذب انتباهًا قويًا في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث يشكل وسيلة فعّالة للتغلب على مشكلة البطالة، وزيادة مستويات الدخل. يفتح هذا النمط من العمل آفاقًا واسعة أمام العمالة للانخراط في فرص العمل على مستوى عالمي.
تشير الدراسات إلى أن 79% من الأفراد العاملين في اقتصاد الوظائف المؤقتة يعبرون عن رضا أكبر بكثير بمقارنة مع فترة عملهم في الوظائف التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، يوفر هذا النوع من التوظيف فرصًا متنوعة للشباب المتحمسين لتطوير مهاراتهم الرقمية وتوسيع نطاقها بهدف تحقيق عوائد مالية، ويعتبر ذلك وسيلة للهروب من أوجاع البطالة التي تشكل تحديًا كبيرًا للشباب في الدول النامية. بالإضافة إلى ذلك، يعد هذا النمط من العمل بديلًا عمليًا للنساء اللاتي يواجهن قيودًا كبيرة في أسواق العمل التقليدية.
وفي هذا السياق، يظهر أن هذا النوع من العمل يشكل مصدرًا مرنًا للأفراد ذوي المواهب المطلوبة من قبل رواد الأعمال والشركات الناشئة، مما يسهم في تطوير أعمالهم وخلق مزيد من الفرص الوظيفية.
تعليق واحد