الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يرى أن الغزيون يعانون وأن حضارتنا تواجه تحديات حادة
إدغار موران: الفيلسوف الفرنسي يدق جرس الإنذار بشأن الأزمة التي تتخبط فيها حضارتنا
في أسلوب يشبه وصايا الحكماء المعمرين، يستمر عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران (1921) في إطلاق إنذار حيال “الأزمة التي تتخبط فيها حضارتنا”. ينبه بشكل خاص إلى مخاطر تصاعد العنف والجهل وتأثيرهما على مستقبل البشرية.
في حديثه الأخير في “المكتبة الكبرى”، دعا موران – صاحب كتاب “هل نسير إلى الهاوية؟” – إلى اتخاذ موقف حازم وعدم تجاهل “القضايا العادلة”. وفي سياق آخر، أعرب عن قلقه الإنساني تجاه الوضع الراهن في غزة، مشددًا على أهمية عدم الاستسلام للكراهية.
وفي تقييمه لواقع الإنسان في “عالم اليوم الغامض والمعقد”، ألقى الضوء على انتشار شعور الكراهية في العالم، داعيًا إلى عدم الاستسلام لتلك المشاعر السلبية. يؤكد موران، المؤلف أيضًا لكتاب “دروس قرن من الحياة” (2023)، أننا نعيش في عصر من عدم اليقين، حيث أصبح مصير الإنسان غامضًا، مشيرًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية، خاصة في ظل انتشار الحروب واستخدام الأسلحة النووية، ومشددًا على عدم معرفتنا بالمسار الذي قد يأخذنا إليه هذا الوضع غير المستقر.
“إدغار موران يحث على مواجهة فوضى العالم ويدعو إلى تغيير الإستراتيجية”
في استمرار لمواقفه الفلسفية المميزة، يدعو الفيلسوف الفرنسي إدغار موران إلى التصدي للواقع الذي يظهر فوضويًا. يشير إلى أن الفوضى ليست مجرد تحديد للدمار، بل تحمل في طياتها أيضًا قوى البناء والتكوين. يستمد تلك الفكرة من المفهوم القديم لدى اليونانيين بأن “الكون (أو العالم) ابن الفوضى”، معبرًا عن التوازن بين النظام والفوضى. ويضيف موران أننا بحاجة إلى تفكير يتسم بالمرونة والقدرة على فهم هذا التعقيد، والتعامل معه بشكل فعّال عبر تغيير الإستراتيجية عند الضرورة.
ويشتهر الفيلسوف الفرنسي، الذي ينحدر من أصول إسبانية يهودية (السفرديم)، بمواقفه المؤيدة لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الخاصة. وكان له دور بارز في نشر آرائه حين ندد بالسياسة الإسرائيلية في مقال نشر في صحيفة “لوموند” الفرنسية عام 2004، حيث رفض العمليات القضائية التي وجهت للدولة الإسرائيلية أمام المحاكم الفرنسية.
حرب من دون كراهية
إدغار موران: دعوة إلى عدم كراهية العدو والتفكير الاستباقي ضد الحروب
في سياق يتزامن مع وصايا حكماء العصور، دعا الفيلسوف الفرنسي إدغار موران إلى ما وصفه بـ “عدم كراهية العدو”. أكد أنه خاض الحرب العالمية الثانية دون كراهية للألمان، معبرًا عن رفضه للنازية وأيديولوجيتها. أشار إلى أهمية عدم الاستسلام للفكرة الخاطئة التي تصور الآخرين كوحوش أو أعداء.
وفي سياق مقال نشره في جريدة “ماريان”، دعا موران إلى فهم حقيقي للبشرية وعدم الانجرار نحو الكراهية. ركز على ضرورة تعليم ثقافة عدم الكراهية منذ المراحل الابتدائية، معتبرًا أن الصراعات يجب أن تكون في ميدان الأفكار والأمم، وليس في حقل الكراهية التي تؤدي إلى التجاهل والاحتقار للآخرين.
وعبر موران، الذي يرى أن المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت والشكوك، عن قناعته بأن الكراهية تعتبر من أسوأ الأمور، حيث تؤدي إلى الاحتقار والإنكار للإنسانية، وتعزز دورها في جميع الحروب.
يشير المفكر إلى أن مهمة المثقف تعد الأصعب، حيث يجب عليه التفكير والتعبير عن تعقيد الواقع ومواجهته بشكل فعّال. شارك موران في الحرب الأهلية الإسبانية وخاض تجربة مع الحزب الشيوعي الفرنسي وانضم للمقاومة الشيوعية، وشارك في الجيش الفرنسي ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.
الشباب وخلاص البشرية
إدغار موران يحث الشباب على التفكير في خلاص البشرية ويشيد بقوتهم في مواجهة التحديات
في استمرار لنصائحه المستمرة للأجيال الأصغر سنا، يعبر إدغار موران عن اعتقاده بأنه ينبغي على الشباب اليوم التفكير في خلاص البشرية وتحمل مسؤولياتها. يشدد على ضرورة أن يكونوا على علم بالتهديدات التي تواجه الكوكب بأسره من تدهور بيئي وتهديدات لحضارتنا.
ويقول موران: “أشيد بقوة الشباب في اتخاذ المواقف، فعندما نتحد كقوى موحدة ضد التدمير والكراهية، نشعر بالراحة في أعماقنا. كنت مرتاحًا في داخلي عندما كنت مقاومًا، رغم الفترة الرهيبة التي عاشتها المجتمعات”.
وفيما يتعلق بدور الشعر في حياته، يعتبر موران أن القصائد تلعب دورًا هامًا في تحفيزه ومساعدته على التعامل مع التحديات. يعبر عن حبه لقراءة القصائد ويشدد على أنه يعيشها مرارًا وتكرارًا. يرى في الشعر ليس فقط شيئًا مكتوبًا، ولكنه يجسد تجربة يجب أن يعيشها الفرد. يعتبر الشعر المعاش هو تجسيد للحياة بانسجام، وفي المجتمع، وتعيش معه الحب والدهشة.