تحقيقات

المخدرات في موريتانيا: جدل متصاعد بين المعارضة والحكومة حول خطورة الظاهرة وسبل مواجهتها

تتزايد المخاوف في موريتانيا بشأن انتشار المخدرات وتنامي نفوذ شبكات تهريبها، وسط اتهامات متبادلة بين المعارضة والحكومة حول جدية التصدي لهذا الخطر الذي يهدد الأمن المجتمعي والاقتصادي. وبينما يرى بعض السياسيين أن الدولة تعاني من “شلل” يعيقها عن محاربة هذه الظاهرة، تؤكد السلطات أنها تبذل جهوداً مكثفة للحد منها، مستشهدة بعمليات أمنية ناجحة خلال السنوات الأخيرة.

انتقادات المعارضة: ضعف المواجهة وغياب الشفافية

في هذا السياق، انتقد رئيس حزب قوى التقدم، محمد ولد مولود، ما وصفه بـ”التقاعس” الحكومي في مواجهة المخدرات، مشيراً إلى أن الدولة لم تتخذ إجراءات صارمة للحد من انتشارها. واعتبر أن المنظمات التي تتاجر بالمخدرات تستغل الشباب الموريتاني، وخاصة السذج منهم، حيث يجدون أنفسهم في نهاية المطاف أمام خيارين: السجن أو القتل.

وأضاف ولد مولود أن غياب التوعية الإعلامية حول مخاطر المخدرات أدى إلى تفاقم الظاهرة، منتقداً التلفزيون الرسمي الذي لم يخصص برامج كافية للتحذير من عواقبها السلبية.

وفي حديثه عن الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة، أشار إلى أن بعض الأجهزة الأمنية والقضائية تعاني من الاختراق، وهو ما أدى إلى عرقلة جهود الدولة في مكافحة التهريب، وفتح الطريق أمام العصابات الدولية لاستغلال موريتانيا كنقطة عبور أو سوق استهلاكي جديد.

وشدد ولد مولود على ضرورة أن تتخذ الحكومة خطوات جريئة وسريعة لإنقاذ الوضع، مقترحاً عدة إجراءات، منها:

  1. حماية المدارس، التي تحولت إلى نقاط قريبة من بيع وتوزيع المخدرات.
  2. تفعيل الإعلام الرسمي للقيام بحملات توعوية دورية حول مخاطر المخدرات.
  3. الكشف العلني عن عمليات ضبط المخدرات، وعدم التستر على أي ملف، لضمان الشفافية.
  4. حماية المبلغين عن الجرائم المرتبطة بالمخدرات، بدلاً من تعرضهم لعقوبات قد تصل إلى السجن.
  5. إقرار قانون يسمح بإعادة دمج التائبين من تجارة المخدرات، على غرار التجارب الناجحة في دول أخرى.

موقف الحكومة: الأمن مستقر والجهود متواصلة

في المقابل، رد الناطق الرسمي باسم الحكومةالسابق ، محمد ماء العينين أييه، على هذه الاتهامات، مؤكداً أن موريتانيا تُعَد من الدول التي تحظى بتقدير دولي فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار.

وقال ولد أييه إن النيابة العامة في ولاية نواكشوط الغربية فتحت تحقيقاً حول بعض القضايا المالية ذات الصلة بالمخدرات، مشيراً إلى أن الجميع مطالب بالانتظار حتى تصدر النتائج الرسمية.

كما شدد على أن موريتانيا لم تتهاون في التصدي للمخدرات، مستشهداً بأن الأجهزة الأمنية نجحت في إحباط أكبر عملية تهريب مخدرات في عرض البحر عام 2023، وهو دليل على جدية الدولة في مواجهة هذه الظاهرة.

تحليل الوضع: بين الواقع والتحديات المستقبلية

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن ملف المخدرات في موريتانيا يطرح إشكاليات متعددة تتراوح بين ضعف آليات المراقبة، غياب الشفافية، وضرورة تحديث القوانين لمواجهة المستجدات في عالم التهريب. فبينما تركز المعارضة على ما تعتبره “عجزاً حكومياً”، تصر السلطات على أنها تقوم بجهود فعالة لكنها تحتاج إلى الوقت والموارد اللازمة لتعزيز مكافحتها.

في ظل هذا الوضع، تظل هناك تساؤلات قائمة حول مدى قدرة موريتانيا على التعامل مع هذا التحدي الخطير، وما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لتفعيل إجراءات جديدة أكثر صرامة وشفافية. كما أن دور الإعلام والمجتمع المدني في التوعية يبدو ضرورياً للحد من استقطاب الشباب لهذه التجارة القاتلة.

خاتمة

يبقى ملف المخدرات في موريتانيا قضية حساسة تتطلب تنسيقاً فعّالاً بين جميع الأطراف، من حكومة ومعارضة ومجتمع مدني، لضمان محاربة فعالة لهذه الآفة. فمع تنامي خطورة تجارة المخدرات وتأثيرها على النسيج الاجتماعي والاقتصادي، سيكون من الضروري اتخاذ قرارات شجاعة لمواجهة هذه الظاهرة قبل أن تتحول إلى تهديد أمني أكثر تعقيداً.

زر الذهاب إلى الأعلى