ثقافة

المسلكيات المهنية وأثرها على الأداء الإداري في موريتانيا: ضرورة الإصلاح والتفعيل


تُعد الأخلاقيات المهنية حجر الزاوية في بناء إدارة عمومية فعّالة وشفافة، إلا أن الواقع الموريتاني لا يزال يعاني من انتشار ممارسات تعرقل تحقيق هذا الهدف، مثل الزبونية والمحسوبية والانتماءات الضيقة، مما يؤدي إلى ضعف الأداء المهني وتأخر التنمية.

1. غياب معيار الكفاءة والمهنية

لا تزال بعض إداراتنا تعتمد على الانتماء السياسي أو القبلي أو الجهوي وحتى العنصري في التعيينات والترقيات، في تجاهل تام لمعيار الكفاءة والمهنية، مما يؤدي إلى تهميش الكفاءات الحقيقية، وخلق بيئة غير محفزة للعمل الجاد.

2. ضعف الالتزام الوظيفي

الالتزام الوظيفي، بما يشمله من احترام أوقات العمل والمحافظة على ممتلكات الدولة، وجودة الأداء، هو أحد أبرز المبادئ الغائبة عن كثير من الموظفين، نتيجة هيمنة المحسوبية وعدم تطبيق القوانين بشكل عادل، مما يضعف من مصداقية المؤسسات.

3. غياب حسن المعاملة والليونة

يُفترض أن يسود الاحترام والتواضع في بيئة العمل، سواء بين الموظفين أو في التعامل مع المواطنين.

لكن الواقع يعكس عكس ذلك، حيث تبرز سلوكيات مثل التكبر، السخرية، الظلم، واستغلال النفوذ، مما يسيء إلى صورة الإدارة ويزيد من فقدان الثقة بها.

4. استغلال المنصب لأغراض شخصية

من أكثر الظواهر انتشاراً هي إساءة استخدام المنصب واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية، سواء عبر استخدام ممتلكات الدولة لأغراض خاصة أو تبادل المنافع بشكل غير قانوني، وهو ما يجري غالباً في الخفاء دون رقيب أو حسيب.

5. غياب الموضوعية وتفشي التحيز

يفترض أن تكون المعاملة داخل الإدارات متساوية دون تحيز، لكن التمييز على أساس الجهة أو القبيلة أو الانتماء السياسي لا يزال ظاهرة بارزة، وهو ما يضعف روح العدالة ويؤدي إلى فقدان ثقة العاملين في العدالة المهنية.

6. التهرب من المسؤولية

كثير من المسؤولين والموظفين يتجنبون تحمّل تبعات أخطائهم، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، ما يضر بثقافة المساءلة ويضعف ثقة المواطن في المؤسسة العمومية.

7. غياب التهذيب العام والتواضع

الأخلاقيات العامة يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من شخصية الموظف، من حيث اللباقة في الحديث، التواضع، احترام الآخرين، وحب المهنة. لكن هذه السلوكيات الإيجابية غالباً ما تُفتقد في واقعنا، ما يؤثر سلباً على بيئة العمل.

8. ضرورة مراجعة وتفعيل المدونة الأخلاقية

رغم صدور الأمر القانوني رقم 025-2007 الذي ينص على مدونة أخلاقية للوظيفة العمومية، إلا أنه لم يتم تفعيلها بالشكل المطلوب، حيث لم تُحدد العقوبات بوضوح، ولم تُنظم حملات تحسيس وتكوين فعالة حولها، كما لم تُفعل المواد الخاصة بمحاسبة المخالفين.

9. توصيات للإصلاح

  • مراجعة شاملة للمدونة الأخلاقية وتحديد العقوبات بدقة.
  • إنشاء آلية رقابة وتقييم لمتابعة مدى الالتزام المهني.
  • تعزيز التكوين والتحسيس بروح المهنة والسلوك الوظيفي.
  • تفعيل القضاء لمحاسبة المخالفين دون استثناء.
  • خلق بيئة عمل تحفز الكفاءات وتُقصي الفساد والمفسدين.

خاتمة

إن إصلاح الإدارة الموريتانية يبدأ من تعزيز الأخلاق المهنية، وإعادة الاعتبار لقيم الكفاءة والجدية والالتزام، وهو ما سيُعيد ثقة المواطن في مؤسساته، ويدفع بعجلة التنمية المستدامة نحو الأمام. فبدون موظف نزيه ومؤسسة فعّالة، لن نستطيع مجاراة ركب التقدم في محيطنا الإقليمي والدولي.


زر الذهاب إلى الأعلى