
صورة للراحل والإداري المتميز
الناجي عبد الله المصطفى
يُعدّ الناج ولد عبد الله ولد المصطفى واحدًا من رجالات الوطن الذين طبعوا تاريخ الإدارة الوطنية ببصمات لا تُنسى، وتميزوا بخبرة فريدة في حل الأزمات وبناء المؤسسات في مراحل مفصلية من تاريخ البلاد.
النشأة والتعليم
وُلد الناج ولد عبد الله ولد المصطفى مطلع القرن العشرين، تحديدًا حوالي سنة 1907م، في منطقة العزلات، وسط بيئة تقليدية تُولي أهمية كبرى للعلم والدين. نشأ في كنف أسرة معروفة بالصلاح والعلاقات الواسعة مع مختلف الفئات الاجتماعية، ما أتاح له فرصة مبكرة للاحتكاك بثقافات متنوعة.
تلقى تعليمه الأولي في محاظر “ازماريك”، حيث درس القرآن الكريم حتى أتم حفظه عن ظهر قلب. وكان يرافق والده خلال رحلاته إلى منطقة دبانكو (المعروفة حاليًا ببوكى)، حيث توطدت علاقته بأسرة “أنكيد” التي كان لها دور محوري لاحقًا في دعمه العلمي.
بفضل هذه الروابط، التحق الناج بالمدرسة النظامية وهو في حدود الثانية عشرة من عمره، حيث أمضى عامين فقط في الدراسة الابتدائية قبل أن ينجح في مسابقة القفز المباشر إلى مستويات أعلى. انتقل بعدها إلى مدينة سينلوي السنغالية لمواصلة تعليمه، وهناك تفوق في دراسته حتى اجتاز بنجاح مسابقة المعلمين بعد عام واحد فقط.
عقب ذلك، درس سنتين إضافيتين، ثم شارك في مسابقة لاكتتاب المترجمين، ليفتح أمامه ذلك الباب نحو محطة جديدة في التكوين؛ حيث التحق بفرنسا لمواصلة تعليمه ضمن سلك المترجمين سنة 1928م، وهي مرحلة أساسية في صقل معارفه الإدارية والثقافية.
المسار المهني والإداري
بدأ الناج مسيرته المهنية مترجمًا رسميًا، قبل أن يتدرج في الوظائف الإدارية متنقلًا بين ولايات الوطن المختلفة، جامعًا بين الإدارة الميدانية والخبرة المتراكمة. شملت محطاته الإدارية ولايات:
- تيرس زمور
- أطار
- تجكجة
- كيفة
- العيون
- نواذيبو
ثم عُيّن حاكمًا لمدينة النعمة، قبل أن يُكلف بتأسيس مقاطعة كنكوصة الحدودية الحساسة، حيث أدار عملية تثبيت خمسة وعشرين تجمعًا سكنيًا جديدًا مقابل التزام الدولة بتوفير المؤن الغذائية للسكان مجانًا، في خطوة استراتيجية لضمان الاستقرار الوطني.
لاحقًا، تولى حكم بوكى، حيث واجه بحزم عصابات التلصص عبر فرض نظام حظر تجول صارم، لا يزال أثره التنظيمي سارياً إلى اليوم.
وبعد ذلك، تمت ترقيته إلى منصب والي كيهيدي، ثم والي لكصر (التي كانت تشمل نواكشوط آنذاك).
وفي قمة مسيرته، عُيّن أمينًا عامًا لوزارة الدفاع الوطني، حيث أكمل خدمته الإدارية، قبل أن يتقاعد ويُنتخب مساعدًا لرئيس الهلال الأحمر الوطني، مساهمًا في العمل الإنساني والاجتماعي.
الاعتزال والوفاة
اختار الناج ولد عبد الله ولد المصطفى بعد مسيرة طويلة حافلة بالعطاء، أن يعتكف في موطنه الأصلي العزلات، متفرغًا لحياته الخاصة والتأمل في محطات حياته الثرية.
توفي رحمه الله سنة 1993م، بعد حياة امتدت قرابة ستة وثمانين عامًا، كانت زاخرة بالعطاء الإداري، والحكمة السياسية، والتفاني في خدمة الوطن والمواطن.
إرثه وتأثيره
يُعتبر الناج ولد عبد الله ولد المصطفى مثالًا نادرًا لرجل الإدارة الذي جمع بين المعرفة الدينية الأصيلة، والتكوين العصري المتقدم، والحنكة في تسيير الملفات المعقدة. ترك إرثًا وطنيًا خالدًا، يتجلى في استقرار المناطق التي أدارها، وفي القيم الصلبة التي غرسها في العمل الإداري: النزاهة، الصرامة، وروح الخدمة العامة.
لا تزال ذكراه حية بين الأجيال، رمزًا للإخلاص والتميز، ونموذجًا يُحتذى به في ميادين الإدارة والسياسة الوطنية.