بندقية الغول والبندقية الصينية كيف يرجح قناصة القسام كفة المقاومة؟
تتواصل نجاحات المقاومة الفلسطينية بشكل استثنائي في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى جاهدة للتوغل داخل قطاع غزة. في هذا السياق، أصدرت كتائب “الشهيد عز الدين القسّام”، الجناح العسكري لحركة حماس، تقريرا يوثق الأحداث المهمة التي جرت في اليوم الـ85 من الصراع. وقد شهد هذا اليوم حدثاً استثنائياً حيث نجح قناص من المقاومة في التصدي لجندي إسرائيلي في حي “الشيخ عجلين” بالقرب من الطريق الساحلي في غزة، باستخدام بندقية القنص “زيجيانغ إم 99” الصينية الصنع.
وقد سبق أن نشر حساب “الصين بالعربية” على منصة “إكس” (تويتر سابقا) صورة لأحد المقاتلين وهو يحمل نفس البندقية في يده، حيث زعم الحساب أن المقاتل ينتمي إلى المقاومة الفلسطينية، مشيراً إلى إمكانية أن تكون البندقية قد تم تصديرها إلى غزة عبر إيران.
تُعتبر “زيجيانغ إم 99” آخر التكنولوجيا في أسلحة القنص المستخدمة ضمن تشكيلات القوات القسامية، بعد بندقية “الغول” المحلية الصنع، التي كشفت المقاومة مؤخراً عن عمليات تصنيعها في إحدى المخابئ السرية في قطاع غزة. يظهر المقطع الذي نشرته المقاومة تدريبات الأفراد على استخدام هذه البندقية بأيديهم الفلسطينية الماهرة.
إم 99 القاتل الصامت
دخلت بندقية القنص “إم 99” الخدمة في عام 2005، وكان أول استخدام لها من قِبل القوات البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني. وفي سياق آخر، أفادت تقارير بأن فصائل المعارضة السورية قد استخدمت هذه البندقية خلال معاركها ضد النظام خلال فترة الثورة السورية. تتميز هذه البندقية ذات العيار الثقيل بقدرتها على اختراق المركبات المدرعة والمواد الصلبة مثل الأحجار والسواتر الحديدية.
من حيث المواصفات، تزن البندقية 12 كيلوغرامًا وتبلغ طولها مترًا ونصف المتر. كما أنها مجهزة بحوامل قابلة للتعديل، بما في ذلك حامل ثنائي أمامي وآخر أحادي في الخلف. ويتميز مسند الكتف بسطح مبطن لتوفير الراحة للمطلق. تتسع الخزانة لـ5 طلقات، ويكون التلقيم نصف آلي.
يصل نطاق بندقية “إم 99” إلى نحو 1500 متر، وتبلغ سرعة الإطلاق 800 متر في الثانية، مما يجعلها قادرة على إصابة الهدف في غضون ثانيتين تقريبًا. تعتبر هذه الخاصية ذات أهمية بالغة للقناصين، حيث تمنحهم القدرة على مهاجمة الأهداف دون أي تحذير، وتتيح لهم إمكانية استغلال الارتباك لتنفيذ عمليات تكتيكية.
تشمل مزايا “إم 99” وجود مكابح قوية متعددة المنافذ في نهاية الكمامة، تقلل من تأثير الارتداد القوي الناتج عن طلقاتها الكبيرة وتوفر حماية للقناص من ردة السلاح. كما تعزز هذه الميزة الدقة بتقليل الانحراف أثناء الإطلاق. ويتميز الجزء العلوي من البندقية بسكة من طراز “Picatinny” لاستقبال مختلف أنواع التلسكوبات ومعدات الرؤية الليلية، مما يمنح المستخدم خيارات متنوعة لتحسين الرؤية.
انضمت بندقية القنص “إم 99” إلى ترسانة القناصة القسامية، مما يكشف عن استراتيجية المقاومة الواعية لطبيعة الحروب غير النظامية التي تخوضها أمام القوات الإسرائيلية. يبرز دور القناص في تعويض الفارق العددي بين قوات المقاومة والجيش الإسرائيلي، حيث يُعتبر القناص ما يعادل كتيبة مشاة كاملة من حيث أهمية استهداف مجموعة متنوعة من الأهداف في سياق هذه الحروب. يُظهر الاستثمار في سرية القناصة أهمية الحد الأدنى من التكاليف، سواء من ناحية المعدات أو الأفراد، وهو أمر ذو أهمية خاصة في ظل التفوق العددي لجنود المقاومة على جنود الاحتلال.
تشير مجلة “العلوم العسكرية والمعلومات” إلى أن فعالية القناصة في الحروب الحديثة تسبب تحديات كبيرة للقوات المعادية. بوصفهم عناصرًا “غير مرئية”، يخلقون حالة من عدم اليقين والقلق في صفوف الأعداء. يؤثر نجاح القناصة في إحداث إصابات نوعية بشكل كبير على المعنويات العدوية.
يُشير رقيب مشاة البحرية الأميركية “أوغستو زاباتا”، كبير المدربين في دورات تعزيز مهارات القناصة في البيئات الحضرية، إلى أن دور القناصة يمتد لتعطيل حركة جنود العدو وتقليل حريتهم في المناطق المستهدفة. يقوم القناصون أيضًا بعمليات الاستطلاع والمراقبة، ويقدمون تقارير عن المستجدات. يتيح للقناص التحرك الفردي مرونة كبيرة ومبادرة فعالة بمقارنة مع التحركات المقيدة للوحدات المعادية، مما يسمح لهم بتجنب التهديدات وتحسين دقتهم.
يظهر أن دور القناص يتجاوز الاستهداف المباشر لجنود العدو ليشمل أدواراً استراتيجية ومعلوماتية أكثر شمولًا. في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، يتزايد الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية، مما يبرز أزمة انعدام الثقة وأهمية دور القناصة القسامية في تقليل المعنويات العدوية وتعطيل تقدمه في غزة، مما يرفع تكاليف الحرب إلى مستويات لا يمكنها تحملها بسهولة.
رصاص “الغول”
كشفت المقاومة في وقت سابق عن بندقية القنص “الغول”، التي تعتبر من الصناعة المحلية. على الرغم من مشاركتها في التصدي لجيش الاحتلال خلال “عملية العصف المأكول” عام 2014، إلا أن المقاومة قامت بتسليط الضوء عليها مرة أخرى خلال عملية “طوفان الأقصى”.
تم تسمية البندقية تيمُّنًا بالشهيد “عدنان الغول” (والذي يعرف أيضًا باسم يحيى جابر الغول)، الذي ولد في مخيم الشاطئ غرب قطاع غزة عام 1958. يُعَدُّ “الغول” من رواد التصنيع العسكري لدى المقاومة الفلسطينية، حيث شارك في تصنيع الصواريخ مثل “القسام” و”البتار” و”البنا”، بالإضافة إلى قذائف الهاون والقذائف المضادة للدروع. توفي “الغول” شهيدًا في أكتوبر/تشرين الأول 2004 في شارع “يافا” في غزة بعد استهداف سيارته بواسطة طائرة إسرائيلية.
كشفت المقاومة عن إنتاج بندقية القنص “الغول” محليًا، مما فاجأ العديد من المراقبين على مستوى العالم. وصلت مدى الغول إلى كيلومترين باستخدام ذخيرة عيار 14.5 مليمترا، متفوقة بذلك على بندقية “شتاير” النمساوية بعيار 12.7 مليمترا، حيث يقتصر مداها على 1500 متر. كما تفوقت “الغول” على بندقية القنص الروسية “دراغونوف” بعيار 7.62 مليمترات، التي يقتصر مداها على 1200 متر. بطول يزيد عن متر ونصف المتر، تعتبر “الغول” واحدة من بنادق القنص الأطول حول العالم.
وبحسب ملاحظات الخبيرة الدولية في المواجهات المسلحة والشؤون العالمية، “ماريا أليخاندرا تروجيلو”، تمثل “الغول” ليس فقط سلاحًا قناصًا، بل رمزًا قويًا للمقاومة يحمل تكريمًا للقائد “عدنان الغول”. وترى أن ظهور هذه البندقية المحلية الإنتاج يعد تغييرًا في الديناميات الأمنية في المنطقة، ما أثار اهتمامًا كبيرًا من قِبل متابعي التطورات العسكرية والجيوسياسية في الشرق الأوسط.