اقتصاد

تأثرت المحاصيل بشدة بتداعيات موجات الغلاء حيث شهدت تراجعًا واضحًا وتزايدت التحديات بسبب تهديد الجفاف الذي يلقي بظلاله على الأمن الغذائي في تونس

تعاني مزارعون في تونس من خسائر فادحة نتيجة للجفاف غير المسبوق الذي ضرب البلاد، مرافقًا لارتفاع درجات الحرارة القياسية واندلاع الحرائق في بعض الغابات والمزارع. هذه الظروف أثّرت سلبًا على المحاصيل الزراعية من حبوب وخضراوات وغلال، مما يزيد من معاناة التونسيين من تفاقم مشكلة الغلاء.

يواجه الفلاحون تحديات كبيرة لمواجهة تداعيات هذا الجفاف الذي يستمر منذ 4 سنوات، ويُعد هذا الموسم الأسوأ في تاريخ الزراعة التونسية من حيث الخسائر. وتتسبب تكاليف الإنتاج المتزايدة ونقص مخزون المياه في السدود وسوء توزيع المياه وعدم وجود دعم حكومي مناسب في تفاقم هذه المشكلة، ويتأثر بها خصوصًا الفلاحون الصغار والعائليون.

الأراضي المزروعة تشكل 62% من مساحة تونس الكلية، والفلاحة الصغيرة والعائلية تلعب دورًا كبيرًا في القطاع الزراعي التونسي، حيث يمثل الفلاحون الذين يملكون أقل من 10 هكتارات من الأراضي 75% من إجمالي المزروعات، وفقًا لبيانات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.

وضع كارثي

وفقًا للتقرير السنوي للبنك الأفريقي للتنمية، المعنون بـ “تمويل القطاع الخاص لمواجهة تغير المناخ وتحقيق النمو الأخضر في إفريقيا”، تعاني تونس من أضرار تصل إلى 5 مليارات دولار ناتجة عن تغيرات المناخ.

ومن أجل التصدي لهذا الوضع، اتخذت وزارة الفلاحة إجراءات عاجلة في نهاية مارس/آذار الماضي لإدارة الموارد المائية، بما في ذلك فرض نظام مؤقت لتوزيع مياه الشرب ومنع استخدام المياه في ري الحدائق وغسل السيارات حتى سبتمبر/أيلول المقبل.

وفي هذا السياق، أشار منسق المرصد التونسي للمياه، علاء مرزوقي، إلى أن التغيرات المناخية أصبحت شديدة الارتفاع لدرجة أن الجفاف أصبح يحدث سنويًا، مما أدى إلى انخفاض كبير في مخزون المياه في السدود إلى 27% فقط. وأضاف أن الحكومة أعلنت حالة الطوارئ المائية دون تقديم إجراءات اجتماعية للطبقات الضعيفة.

وأشار مرزوقي إلى أن نظام توزيع المياه لا يزال غير فعّال في ظل هذا الجفاف والحرارة المرتفعة، وأن هناك حاجة لإصلاحات شاملة في نظام إدارة المياه. واستنكر عدم وجود استراتيجية لمساعدة الفلاحين الصغار الذين تأثروا بشدة بنقص المياه منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولم تتخذ السلطات إجراءات للتقليل من استهلاك المياه في القطاع السياحي أو لمحاربة الشركات الكبيرة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه لأغراضها الصناعية.

خسائر كبيرة

أكد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة الفلاحين)، أنور الحراثي، أن التحديات المتعلقة بالجفاف، ارتفاع درجات الحرارة، نشوب الحرائق، ونقص المياه، قد تسببت في تدهور الوضع الزراعي في تونس. هذا التدهور أدى إلى انخفاض مساحات الأراضي المزروعة وتراجع الإنتاج الزراعي، مما أدى إلى تكبد المزارعين خسائر مالية كبيرة، وذلك خصوصًا مع ارتفاع تكاليف عمليات الإنتاج.

وأضاف الحراثي، الذي يعمل كفلاح في منطقة المكناسي بمحافظة سيدي بوزيد الجنوبية، أن الجفاف وانخفاض مخزون السدود نتيجة قلة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، تركا تأثيرات سلبية على وضع الفلاحين. وتمثلت هذه التأثيرات في تراجع كبير في الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المحاصيل.

من جانبهم، يواجه المزارعون تحديات في تكاليف الإنتاج، حيث ارتفعت تكاليف المواد الدوائية المستخدمة في زراعة الخضروات والحبوب بشكل كبير. كما ازدادت تكاليف اليد العاملة والنقل، بالإضافة إلى تأثر منتجاتهم بارتفاع درجات الحرارة، مما أثر على جودة المنتجات المعروضة في الأسواق.

ويعزو الحراثي ارتفاع أسعار المحاصيل والخضروات في الأسواق إلى نقص العرض الحاد والتكاليف المرتفعة لعمليات الإنتاج خلال هذه الأزمة المتعددة. كما يشكل وجود السماسرة والوسطاء الذين يشترون منتجات الفلاحين بأسعار منخفضة ويعيدون بيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة مشكلة إضافية تؤثر على المزارعين.

زر الذهاب إلى الأعلى