تخطت قيمتها تريليون دولار: رحلة شركة إنفيديا نحو الانضمام إلى صفوف العمالقة

“إنفيديا (Nvidia) تحقق إنجازًا تاريخيًا بالانضمام إلى نادي التريليون دولار: كيف حدث ذلك؟”

أعلنت شركة إنفيديا (Nvidia) الإنجاز الفريد بالانضمام الرسمي، حتى وإن كانت لفترة وجيزة، إلى نادي التريليون دولار في سوق الأسهم الأميركية في جلسة تداول يوم الثلاثاء الماضي. تمثل هذه الخطوة خطوة تاريخية للشركة، حيث انضمت إلى صفوف الشركات ذات القيمة السوقية العظيمة، التي تجاوزت تريليون دولار، مثل أبل، ومايكروسوفت، وأرامكو السعودية، وألفابت (غوغل)، وأمازون. ورغم أن إنفيديا حالياً تحتل المرتبة السادسة، إلّا أنها تشير إلى قوة استثنائية في السوق بقيمة سوقية تقترب من تريليون دولار، حيث بلغت في لحظة إعداد هذا التقرير 982 مليار دولار.

تم هذا الإنجاز بعد ارتفاع أسهم الشركة بشكل ملحوظ، وذلك بعد إعلان نتائجها المالية للربع الأول من العام الجاري، حيث تجاوزت توقعات السوق بأرباح متفوقة. الأهم من ذلك، كانت توقعات الشركة للربع الثاني من العام الحالي إلى 11 مليار دولار، بينما كانت التوقعات السابقة تتحدث عن 7.15 مليار دولار فقط، مما أضاف قوة إضافية للثقة في أداء إنفيديا.

“إنفيديا: رحلة صعود استثنائية نحو التريليون دولار

شهدت قيمة إنفيديا ارتفاعًا هائلًا بنسبة 172% تقريبًا من نهاية عام 2022 حتى اللحظة الحالية، وبنسبة 230% منذ أكتوبر الماضي. وصلت قيمتها السوقية إلى 364 مليار دولار نهاية العام الماضي، بعدما كانت قد وصلت إلى 300 مليار دولار في أكتوبر. يعكس هذا الأداء الرائع تفوق إنفيديا على جميع الشركات في مؤشر “إس آند بي 500″، الذي يضم أكبر 500 شركة أمريكية.

إنفيديا استطاعت أن تحقق هذا الإنجاز في وقت قياسي، حيث استغرقت فقط 500 يوم لتصبح شركة تريليون دولار، متفوقة بذلك على الكثير من الشركات العملاقة. بمقارنة أدائها مع الشركات الأخرى، فإن رحلتها من 500 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2021 إلى تريليون دولار كانت أسرع بثلث الوقت الذي استغرقته شركة أبل لتحقيق نفس الإنجاز.

رغم جمال الأرقام، يثير السؤال الطبيعي حول طبيعة إنفيديا وكيف وصلت إلى هذه القيمة السوقية الهائلة، وما هي المنتجات التي تقدمها لتستحق الانضمام إلى نادي الشركات العملاقة في العالم؟

رحلة إنفيديا

إنفيديا: العملاق الذي لا يقتصر على عشاق التقنية

على عكس الشركات الأخرى في نادي التريليون دولار، مثل أبل وغوغل ومايكروسوفت، فإن اسم “إنفيديا” ليس مألوفًا بشكل جيد إلا للمهتمين بعالم الألعاب الإلكترونية والتقنية بشكل عام. ومع ذلك، قد يكون هناك فرصة كبيرة بأنك تستخدم حاليًا حاسوبًا يحتوي على إحدى رقاقات إنفيديا، فنحن نتحدث عن الشركة الرائدة في سوق إنتاج الرقاقات الإلكترونية عالميًا في الوقت الراهن. تأسست إنفيديا في عام 1993 في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، حيث نشأت فكرة الشركة في مطعم “دينيس”.

بدأت إنفيديا كشركة متخصصة في إنتاج معالجات الرسوميات (GPU)، أو ما يعرف بـ”كروت الشاشة” في أجهزة الحاسوب الشخصي. ومنذ ذلك الحين، استطاعت الشركة الابتكار والتطور في صناعة ألعاب الفيديو عبر تقديم تقنيات متقدمة لمعالجة الرسوميات داخل الألعاب. وبعد أن أثبتت نجاحها في هذا المجال، بدأت إنفيديا في استكشاف فرص استخدامات معالجات الرسوميات في مجالات أخرى، مثل عمليات الحوسبة ذات الأداء العالي والأبحاث العلمية.

على مدى العقدين الماضيين، سهمت إنفيديا بشكل كبير في تطوير صناعة الألعاب الإلكترونية من خلال تقديم قوة معالجة هائلة للرسوميات. وبفضل رؤيتها الرائدة، بدأت الشركة في تحويل تكنولوجياتها نحو مجالات متنوعة، تخطو خلالها إلى مجالات مثل الحوسبة العلمية والتصميم الصناعي والسيارات الذكية، مما جعلها تتألق كعملاق تقني يتخطى حدود عشاق الألعاب ليمتد تأثيرها إلى عدة مجالات تقنية.

تنوعت استخدامات كروت الشاشة تدريجياً، وزاد الطلب عليها بشكل لافت، خاصة خلال عام 2020 الذي شهد انتشار جائحة فيروس كورونا وانعزال الكثيرين في منازلهم. باتت ألعاب الفيديو وسيلة للتسلية والهرب من الروتين اليومي. في هذه الفترة، شهدت أسعار العملات المشفرة ارتفاعًا هائلاً، مما زاد من الطلب على كروت إنفيديا. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وصلت قيمة الشركة السوقية إلى أكثر من 820 مليار دولار.

لكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها، وانخفاض أسعار العملات المشفرة، والتحديات الاقتصادية، انخرطت أسهم إنفيديا في موجة هبوط خلال عام 2022. فقدت أكثر من نصف قيمتها، وانخفضت إلى أقل من 300 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. لكن بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني، حدث تغيير مفاجئ.

في تلك الفترة، أطلقت شركة “أوبن إيه آي” نسخة تجريبية لروبوت المحادثة “شات جي بي تي”، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع هذا الإعلان، اشتعلت منافسة حادة في عالم التكنولوجيا. وهنا تطرح السؤال: ما علاقة هذا بشركة إنفيديا؟

حرب الذكاء الاصطناعي

نماذج اللغة الرائدة مثل “GPT-4” تعتمد على بنية تحتاج إلى خدمات سحابية فعالة، وهذه الخدمات تتطلب قدرة حوسبية على مستوى عملاق لتدريب هذه النماذج على الكم الهائل من البيانات. يتواجد هذا القدر الهائل من القوة الحوسبية في مراكز البيانات، وتأتي وحدات معالجة الرسوميات من نفيديا كحلاً مثلى لتسريع هذه العمليات الحسابية المعقدة داخل هذه المراكز.

فهم مُطوِّري نماذج الذكاء الاصطناعي سريعًا بأن معالجات إنفيديا الرسومية تعتبر حلاً قويًا وفعالًا لتنفيذ العمليات المعقدة التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة. تبرز وحدات معالجة الرسوميات (GPU) بقدرتها على أداء العديد من العمليات الحسابية في نفس اللحظة، مقارنة بوحدات المعالجة المركزية (CPU). وقد أدرك مشغلو العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثريوم قوة وكفاءة وحدات معالجة الرسوميات في تسريع عمليات التعدين، حيث يتطلب تعدين هذه العملات حسابات معقدة للوصول إلى النتائج المرجوة.

كشفت شركة “أوبن إيه آي” على سبيل المثال أنها تعتمد على خدمات مايكروسوفت السحابية لتطوير نماذجها اللغوية، مما يجعل مايكروسوفت بحاجة إلى كميات هائلة من معالجات إنفيديا لتوفير القوة الحوسبية اللازمة، سواء لـ “أوبن إيه آي” أو لأي شركة أخرى تسعى لتطوير نماذج لغوية متقدمة.

في ظل المنافسة الحالية بين شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل، يظهر أن إنفيديا هي الرابح الأكبر. وقد وصف جنسن هونغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، الوقت الحالي بأنه “لحظة الآيفون” في مجال الحوسبة، مقارنًة بالنمو الكبير الذي شهدته صناعة الهواتف الذكية بعد إطلاق هاتف iPhone من قبل شركة آبل في عام 2007.

بفعل الطلب الهائل على وحدات المعالجة الرسومية، شهدت أسهم إنفيديا ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، حيث وصلت أسعار بعض هذه الوحدات إلى مستويات تفوق 33 ألف دولار، ورغم ذلك قد تكون أكثر تكلفة في بعض الأسواق نظرًا للطلب الشديد عليها. والمثير حاليًا للمستثمرين هو أن الأموال بدأت أخيرًا في التدفق نحو شركة إنفيديا بعد فترة من الجدل والمناقشات حول الذكاء الاصطناعي، وهذا يعكس الثقة المتزايدة في الشركة ومكانتها القوية.

والأمر الملفت هو أن نيفيديا لم تصل بعد إلى ذروة نجاحها، ويرون المحللون أن طفرة الذكاء الاصطناعي تمثل فرصة كبيرة ومستدامة لمستقبل الشركة، مقارنة بالعملات المشفرة. فلا يوجد منافس حقيقي حاليًا يمكنه من مجاراة إنفيديا في تلبية احتياجات المعالجة المعقدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نجحت إنفيديا في الوصول إلى هذا المكان المرموق والسيطرة على سوق المعالجات الرسومية في مجال الذكاء الاصطناعي؟

إن نجاح إنفيديا في الوصول إلى هذا المكان المرموق والسيطرة على سوق المعالجات الرسومية في مجال الذكاء الاصطناعي يعود إلى عدة عوامل رئيسية:

• أداء متفوق: وحدات معالجة الرسوميات (GPU) التي تقدمها إنفيديا تتميز بأداء متفوق وقدرة على معالجة البيانات بشكل فعّال. هذا الأداء العالي يسهم في تسريع العمليات الحسابية المعقدة التي تتطلبها نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة.
• تكنولوجيا CUDA: إن تقنية CUDA الخاصة بإنفيديا تمكن المطورين من استخدام وحدات المعالجة الرسومية لتنفيذ عمليات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. هذا يسهم في تسريع عمليات التدريب والاستدعاء لنماذج اللغة الضخمة.
• تعاون مع الشركاء الكبار: شراكات إنفيديا مع شركات رائدة مثل مايكروسوفت تعزز استخدام وحدات المعالجة الرسومية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، اعتماد “أوبن إيه آي” على خدمات مايكروسوفت السحابية يعزز حاجة مايكروسوفت لكميات كبيرة من معالجات إنفيديا.
• تفوق في تعدين العملات المشفرة: نجاح إنفيديا في توفير قوة حسابية لتعدين العملات المشفرة كان له تأثير إيجابي على سمعتها وجذب اهتمام المستثمرين.
• الابتكار المستمر: إنفيديا تظل في طليعة الابتكار في مجال تطوير وحدات المعالجة الرسومية وتقنيات الحوسبة الرسومية، مما يجعلها في موقع قوي لتلبية احتياجات التقنيات الناشئة والمستقبلية.

بهذه الطريقة، استطاعت إنفيديا أن تتألق كرائدة في ميدان المعالجات الرسومية للذكاء الاصطناعي، وتحظى بثقة المطورين والشركات الكبرى التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطبيقاتها المختلفة.