تكنولوجيا

جنود حماس السيبرانيون: الانطلاقة الأولى في طوفان الأقصى

جنود حماس السيبرانيون: الانطلاقة الأولى في طوفان الأقصى

“حماس” ابرزت نفسها على الأرض من خلال راياتها، بينما قام مقاتلو “العصائب الخضر” بتمييز أنفسهم برفع كلمة التوحيد على رؤوسهم. ولاحظت الصدفة أن هذا اللون الأخضر هو نفس الذي يميزها على الإنترنت. (مؤلف غير معروف)
رغيد أيوب
19 أكتوبر 2023

أفاد تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن تسجيلات فيديو تم التقاطها بكاميرات مثبتة على أسلحة مقاتلي “حماس” الذين فقدوا حياتهم في عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، كشفت عن امتلاكهم لمعلومات حساسة وأسرار تتعلق بالجيش الإسرائيلي ونقاط ضعفه. تمكن الهجمات من دخول غرفة الخوادم في إحدى مراكز الجيش الإسرائيلي بناءً على هذه المعلومات.

الصحيفة أشارت إلى أن هذه اللقطات تكشف تفاصيل مثيرة حول كيف نجحت كتائب القسام في مفاجأة واحدة من أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، واختلف خبراء الأمن في تفسير كيفية الحصول على تلك المعلومات، حيث اقترح بعضهم وجود جواسيس منظمين داخل الجيش الإسرائيلي.

وما لا يُغفل عنه الكثيرون هو أن “حماس” تنفذ استراتيجية سيبرانية بدأتها قبل سنوات، وما زالت تطوِّرها بسرعة. تقدم الكاتب سايمون بي هاندلر تحذيراته في تقرير أعدته وحدة إدارة الدولة السيبرانية التابعة للمجلس الأطلسي – وهو مختبر بحوث رقمية – في نهاية عام 2022. وما يثير الاهتمام في هذا التقرير هو أن تحذيرات هاندلر كانت موجهة للولايات المتحدة، وليس لإسرائيل، مما يشير إلى الخطورة الكبيرة لقدرات “حماس” السيبرانية والتأثير الذي يمكنها تحقيقه في ميزان القوى. يشدد على ضرورة فهم استراتيجية “حماس” والتعامل معها بطريقة جديدة.

غالبًا، يمثل الفضاء الإلكتروني فرصة مهمة للجهات ذات الموارد المحدودة للتنافس مع منافسيهم الأقوى نسبيًا. لذلك تزداد رغبة هذه الجهات في امتلاك قدرات هجومية سيبرانية ودمجها في استراتيجياتها العامة.

تشير التقارير إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة في مجال الأمن السيبراني تركز بشكل رئيسي على الأعداء الكبار الأربعة: الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران. ولكنها لم تكن قادرة على التنبؤ بقدرات “حماس” السيبرانية وإمكانياتها الهجومية والاستخباراتية.

ذوو القبعات الخضر

“حماس” تُعرَف بشهرتها براياتها وعصائبها الخضراء، وهذا اللون الأخضر الذي يرافقها في العالم السيبراني يُعتبر تمييزًا إضافيًا.

من منظور المجتمع السيبراني، يُصنف “حماس” ضمن “المحاربين ذوي القبعات الخضر”، وهذا التصنيف مميز ومختلف عن التصنيفات الأخرى مثل قراصنة القبعات السوداء والقبعات البيضاء وقراصنة النخبة.

والمميز في هذا التصنيف الأخضر هو أن أفراده يُعرفون بأنهم “محاربين سيبرانيين” بدلاً من “قراصنة” كما في تصنيفات أخرى. يشير ذلك إلى أن هؤلاء الفراد يسعون باستمرار لتطوير قدراتهم، ويتحلى أهدافهم بأبعاد سياسية وعقائدية بدلاً من أهداف مالية أو تخريبية أو أمنية.

لماذا اختارت “حماس” الفضاء الإلكتروني؟

“حماس” تمتلك دوافع خاصة تجعلها تركز على تطوير قدرات سيبرانية هجومية، ومن خلال دراسة أنشطتها يمكن فهم هذه الدوافع وتكاملها مع استراتيجيتها الشاملة، ومن بين هذه الدوافع:

  • الدعاية والتجنيد:
    تستخدم “حماس” وجودها القوي على الإنترنت لأغراض الدعاية والتجنيد. تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي والأنشطة السيبرانية جزءًا أساسيًا من استراتيجية الحركة للتواصل مع المجتمع الفلسطيني وجذب الأنظار إلى قضيتها. هذه الجوانب مهمة للحفاظ على وجودها وتأثيرها بين الناس.
  • الضرب في الظلام:
    بالرغم من تصاعد التصعيد بين “حماس” وإسرائيل، إلا أن القادة في الحركة يدركون الفارق الكبير في القوة العسكرية والتكنولوجية بين الجانبين. لذلك، تهدف “حماس” إلى استخدام الهجمات السيبرانية بحذر، بحيث تحقق نجاحات ملموسة دون التورط في أعمال انتقامية تمكن إسرائيل من استهدافها بشكل كبير. الفضاء السيبراني يوفر لها الفرصة للعمل بشكل مجهول وصعب التتبع.
  • جمع المعلومات الاستخبارية:
    تمثل العمليات السيبرانية لـ “حماس” وسيلة للحصول على معلومات استخبارية حول الجيش الإسرائيلي والجنود أو عملائهم. تعتبر هذه المعلومات قيمة للاستفادة منها في الأنشطة العسكرية والاستخباراتية.
  • نشر المعلومات المضللة:
    تهدف “حماس” إلى نشر معلومات مضللة تستخدم في أغراض عسكرية أو دعائية لكسر الروح المعنوية للإسرائيليين. هذه العمليات تعتبر جزءًا من استراتيجيتها الشاملة لتحقيق أهدافها.

بشكل عام، تُظهر هذه الاستراتيجية لـ “حماس” أهمية الفضاء السيبراني في تحقيق أهدافها وحماية نفسها من التداعيات السلبية. تعكس عملياتها السيبرانية قدرتها على المناورة والعمل بشكل فعّال في سياق استراتيجيتها العسكرية على المدى الطويل، وتمثل جزءًا مهمًا من التحضير لعمليات مثل “طوفان الأقصى”.

3- قلة التكاليف

تحذر تقارير من المجلس الأطلسي بشدة من التقليل من قدرات “حماس” في مجال السيبرانية. على الرغم من أنها تُعتبر نسبيًا ضعيفة وتفتقر إلى الأدوات المتطورة التي يمكن أن يمتلكها قراصنة آخرون، إلا أن العديد من خبراء الأمن تفاجئوا بإمكانياتها. يتمتع “حماس” بقدرات سيبرانية ملحوظة، وهذا رغم سيطرة إسرائيل على ترددات الاتصالات والبنية التحتية. يجدر بالذكر أن قطاع غزة يعاني من نقص مزمن في التزويد بالكهرباء، مما يجعل تلك الإمكانيات أكثر إثارة للدهشة.

تعتبر إسرائيل تهديد “حماس” السيبراني هجوميًا تهديدًا خطيرًا. في عام 2019، نجحت إسرائيل في إحباط عملية سيبرانية تم تنفيذها بواسطة “حماس”، وقامت بشن ضربة جوية استهدفت ما وُصف بأنه “المركز السيبراني لحماس” في قطاع غزة. هذه العملية كانت واحدة من أوائل العمليات التي أقر بها الجيش الإسرائيلي كرد على هجمات سيبرانية.

مع ذلك، على الرغم من تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن “حماس لم تعد تمتلك قدرات إلكترونية بعد ضربتنا تلك”، إلا أن تقارير عديدة ألقت الضوء على عمليات إلكترونية نفذتها الحركة في الأشهر والسنوات التي تلت تلك الضربة الجوية.

4- التطور التكتيكي

بالطبع، تعتبر إسرائيل هدفًا رئيسيًا لأنشطة التجسس الإلكتروني التي تُقدم عليها “حماس”. وقد شهدنا تزايدًا في هذه الأنشطة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث تطورت تدريجيًا من تكتيكات عامة وعامة إلى أساليب أكثر تفصيلًا وتعقيدًا.

في البداية، كانت هدفًا للقبعات الخضراء في “حماس” متنوعة، حيث استهدفت القطاعات الحكومية والعسكرية والأكاديمية وقطاعات النقل والبنية التحتية. وقد عملوا على حجب المعلومات التي تشير إلى عمليات الاختراق التي تعرضوا لها، من أجل الحفاظ على سريتهم وتجنب الكشف عن هويتهم.

في وقت لاحق، قام قراصنة “حماس” بتحسين تكتيكاتهم بهدف زيادة فرص نجاحهم. على سبيل المثال، في سبتمبر 2015، بدأوا في استخدام تقنيات تضمين الروابط بدلاً من استخدام المرفقات في الرسائل الإلكترونية. كما بدأوا في استخدام مثيرات غير إباحية مثل مقاطع فيديو حوادث السيارات لجذب الأفراد. وأضافوا التشفير الإضافي للبيانات المسربة.

بالإضافة إلى ذلك، قامت حملة في فبراير 2017 بتبني نهج مختلف باستخدام الهندسة الاجتماعية وتقنيات متعددة لاستهداف أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي عن طريق برامج خبيثة نشأت من حسابات فيسبوك مزيفة.

تظهر هذه الأنشطة السيبرانية قوة “حماس” على مستويين رئيسيين: الأول هو قدرتها على اختراق وسرقة مواد قيمة من إسرائيل، والثاني هو جرأتها على تنفيذ هجمات تدعم القضية الوطنية الفلسطينية.

عمليات التشويه أداة أخرى في ترسانة “حماس” السيبرانية. هذا النوع من الأنشطة – وهو نوع من التخريب عبر الإنترنت يشمل عادة اختراق مواقع الويب لنشر رسائل دعائية – ليس بالضرورة دمرًا بقدر ما هو مزعج. يهدف عادة إلى إحراج إسرائيل وخلق تأثير نفسي على المستهدفين والجمهور.

على سبيل المثال، خلال الحرب على غزة في يوليو 2014، نجحت “حماس” في الوصول إلى أقمار صناعية تابعة للقناة العاشرة الإسرائيلية وبثت عبرها صورًا لفلسطينيين مصابين جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، ونشرت تهديدات باللغة العبرية تقول: “إذا لم توافق حكومتك على شروطنا، فاستعد لإقامة طويلة في الملاجئ”.

يُظهر كل ذلك قوة برامج “حماس” السيبرانية وتطورها على مر الزمن، وكيف يمكن لها أن تؤثر في الجماهير وتنشر رسائلها بفعالية. وهذا يعكس نضج استراتيجيتها السيبرانية وتصاعدها.

زر الذهاب إلى الأعلى