ثقافة

جهود سوريا في حماية التراث الأثري وسط تحديات الحرب

بادرت الإدارة السورية الجديدة بالتعاون مع الجهات المسؤولة عن المتاحف والآثار لحماية المواقع الأثرية من النهب والتدمير، في ظل تداعيات سقوط النظام السابق. ورغم هذه الجهود، فإن وضع التراث السوري ما زال يثير القلق، خاصة بعد حرب مدمرة تركت أثرًا عميقًا على هذا الإرث التاريخي الذي يعكس حقبًا مهمة من الحضارة الإنسانية.

تحرك استباقي لحماية الآثار

كشف المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا، السيد محمد نظير عوض، الذي تولى منصبه عام 2020، عن تحركات سريعة لحماية التراث الأثري. وأوضح أن المسؤولين تواصلوا مع هيئة العمليات العسكرية للمعارضة فور دخولها دمشق، محذرين من المخاطر المحتملة على المواقع الأثرية. استجابت الهيئة بإرسال قوات لتأمين هذه المواقع على مدار الساعة، مما ساهم في حماية مقتنياتها من النهب، على عكس ما حدث للآثار العراقية عند سقوط النظام قبل عقدين من الزمن.

أضرار محدودة ولكن مؤثرة

رغم الجهود المبذولة، تعرضت بعض المواقع لأضرار، منها حريق في “المعهد التقني للآثار والمتاحف” داخل قلعة دمشق، وسرقة بعض القطع من متحف طرطوس. إلا أن هذه الحوادث بقيت محدودة مقارنة بحجم التدمير المتوقع في حالات الحروب الداخلية. ويعزى ذلك إلى المبادرات التي أطلقتها مؤسسات محلية ودولية، مثل مبادرة “تراثك حياتك” التي أطلقتها لجنة “إيكوموس سوريا”، والتي ساعدت في تقليل الأضرار.

الدمار خلال الحرب: بين الإهمال والتطرف

على مدى سنوات الحرب، تعرضت المواقع الأثرية السورية لانتهاكات كبيرة، يمكن تلخيص أسبابها في:

  1. استخدام المواقع الأثرية كمناطق عسكرية:
    تحولت العديد من المواقع إلى معسكرات ومستودعات للأسلحة، مما عرضها لمعارك عنيفة. مثال ذلك مدينة حلب القديمة التي شهدت دمارًا كبيرًا، حيث تضرر سوقها التاريخي الأكبر عالميًا، والجامع الأموي الذي يُعد رمزًا للعمارة الإسلامية.
  2. التعامل المتشدد مع الآثار:
    خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة، تم التعامل مع الآثار باعتبارها أوثانًا، ما أدى إلى تدمير معالم تاريخية مثل معبد “بعل شمين” في تدمر. في المقابل، تعامل النظام مع الآثار كمورد اقتصادي، مما أسهم في التنقيب غير الشرعي والتهريب.

جهود الإنقاذ الدولية والمحلية

لعبت المؤسسات الدولية دورًا بارزًا في الحد من الأضرار، حيث أصدر المجلس الدولي للمتاحف قائمة حمراء بالآثار السورية المسروقة. كما دعم صندوق صون التراث ترميم بعض القطع المهمة، مثل “أسد أثينا” في تدمر، الذي دُمر عام 2015 وأعيد ترميمه عام 2017.

التحديات والمطلوب للمستقبل

رغم الجهود الحالية، فإن النزيف الذي تعرضت له الآثار السورية هائل، ويستدعي إطلاق حملة دولية لحماية المواقع الأثرية وترميم المتضرر منها. تحتاج سوريا إلى وضع خطة وطنية شاملة لإنقاذ تراثها، تشمل:

  • تحديد الأولويات وفق حجم الأضرار.
  • توفير الدعم الفني والمالي من المجتمع الدولي.
  • إبراز موقف واضح تجاه أهمية التراث كمكون وطني وإنساني.

الآثار: ذاكرة الإنسان وحاضره ومستقبله

الآثار ليست مجرد بقايا من الماضي، بل هي وسيلة لفهم تطور البشرية. تسلط الضوء على كيفية تطور الحضارة الإنسانية عبر الزمن، مما يجعل الحفاظ عليها واجبًا وطنيًا وإنسانيًا، يعكس التزامنا بالحفاظ على الهوية والتاريخ للأجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى