سكة حديد “هرات – خواف”… مشروع استراتيجي يعزز الربط الإقليمي ويدعم الاقتصاد الأفغاني

تُعدّ سكة حديد “هرات – خواف” إحدى المبادرات الحيوية التي تتبناها الحكومة الأفغانية لتطوير قطاع النقل وتحسين البنية التحتية، كما تمثل خطوة محورية لتعزيز العلاقات التجارية مع دول الجوار وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي.
مشروع استراتيجي لتعزيز الربط الإقليمي
يربط الخط الحديدي مدينة هرات الواقعة غرب أفغانستان بمدينة خواف شرق إيران، ويهدف إلى تسهيل حركة البضائع والركاب بين البلدين، مما يعزز من تدفق التجارة ويُتوقع أن يكون له أثر اقتصادي إيجابي على المدى البعيد.
خلفية تاريخية
أُطلق المشروع لأول مرة عام 2007 في إطار مساعي الحكومة الأفغانية لبناء شبكة نقل حديثة تربط البلاد بالأسواق الإقليمية والدولية، وفي عام 2012 تم توقيع اتفاق رسمي بين كابول وطهران لإنشاء هذا الخط ضمن رؤية شاملة لدمج أفغانستان في شبكة السكك الحديدية الإقليمية.
انطلقت أعمال البناء عام 2016، وتم تشغيل أول جزء من المشروع عام 2018، ومنذ ذلك الحين تواصلت الجهود الحكومية لتوسعة المشروع، بمساعدة شركات دولية وترتيبات مالية متعددة.
المرحلة الجديدة من المشروع
في مارس/آذار 2024، أبرمت الحكومة الأفغانية عقدًا بقيمة 53 مليون دولار لإنجاز المرحلة الثانية من الجزء الرابع للمشروع، بطول 47 كيلومتراً. ومن المتوقع استكمال هذا الجزء خلال عامين، مما سيتيح ربط هرات مباشرة بالموانئ الإيرانية، ويعزز من حركة التجارة بين دول آسيا الوسطى والجنوبية.
تقدم ملموس على أرض الواقع
قال المتحدث باسم حاكم هرات، محمد يوسف سعيدي، في تصريح للجزيرة نت، إن أول شحنة تجارية وصلت بالفعل عبر سكة حديد “هرات – خواف” إلى محطة روزنك، محملة بـ 26 عربة قطار، منها 20 تحتوي على شحنات سكر قادمة من الإمارات و6 محملة بالإسمنت، ما يعكس النشاط التجاري المتزايد عبر هذا الخط.
وأضاف أن هذه الشحنة هي واحدة من عدة شحنات مماثلة تعكس الدور المتصاعد للخط الحديدي في دعم التجارة الإقليمية.
اهتمام حكومي وتعاون دولي
أكد المتحدث باسم وزارة الأشغال العامة، محمد أشرف حقشناس، أن الحكومة تسعى لتطوير قدراتها الفنية في قطاع السكك الحديدية بالتعاون مع إيران ودول أخرى، مشيراً إلى زيادة ملحوظة في حركة النقل عبر الخط.
من جانبه، شدد المتحدث باسم الحكومة، ذبيح الله مجاهد، على أن إيران تلتزم بتوسيع المشروع ليشمل مناطق إضافية مثل بدخشان على الحدود مع الصين، ما سيحوّل هرات إلى مركز تجاري واستراتيجي إقليمي.
منظور اقتصادي واعد
يرى الخبير الاقتصادي الأفغاني، شمس الرحمن أحمدزي، أن المشروع يمثل فرصة ذهبية لأفغانستان لتعزيز موقعها الاقتصادي في المنطقة، حيث لا يقتصر دوره على تسهيل التجارة، بل يسهم أيضًا في تطوير بنية النقل وجذب الاستثمارات الخارجية، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة.
الفوائد المنتظرة من المشروع
- تعزيز التبادل التجاري: يسهم الخط في تسريع عمليات التصدير والاستيراد مع إيران ودول مثل تركيا، الهند، والإمارات، مما يوسع نطاق السوق أمام المنتجات الأفغانية.
- خفض تكاليف النقل: السكك الحديدية توفر وسائل نقل أكثر كفاءة وأقل تكلفة مقارنة بالنقل البري، ما يساهم في خفض أسعار السلع.
- جذب الاستثمارات الأجنبية: تحسين البنية التحتية للنقل يزيد من جاذبية البلاد للمستثمرين، ويدعم فرص إقامة مشاريع إنتاجية وخدمية.
- تعزيز التعاون الإقليمي: يعزز الخط من التكامل الاقتصادي بين أفغانستان وجيرانها، ويفتح آفاقًا لتوسيع التعاون مع دول آسيا الوسطى.
التحديات التي قد تعيق التنفيذ
رغم الآمال الكبيرة، يواجه المشروع بعض التحديات المحتملة، منها:
- التمويل: صعوبة توفير استثمارات مستدامة نتيجة للعقوبات والتقلبات الاقتصادية.
- التوترات الجيوسياسية: قد تعرقل بعض العلاقات الإقليمية تحقيق تعاون شامل.
- العقبات الجمركية: الإجراءات المعقدة قد تؤثر على سرعة حركة البضائع وتزيد من التكاليف التشغيلية.
أثر اجتماعي ملموس
لا تقتصر أهمية المشروع على الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى البُعد الاجتماعي، من خلال خلق فرص عمل جديدة في مجالات البناء والصيانة، وتحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين، خصوصاً في المناطق التي يمر بها الخط.
خاتمة
يُجسد مشروع سكة حديد “هرات – خواف” طموح أفغانستان في التحول إلى مركز اقتصادي وتجاري محوري في آسيا، ويُعد ركيزة أساسية لرؤية تنموية شاملة ترتكز على تعزيز البنية التحتية وتوسيع نطاق التعاون الإقليمي، رغم التحديات التي تفرضها الأوضاع الداخلية والخارجية.