صعود اليوان: تحول هادئ يهدد هيمنة الدولار في التجارة العالمية


يشهد المشهد المالي العالمي تحوّلًا هادئًا ولكنه ذو دلالة كبيرة، حيث يتزايد الحديث حول “التخلص من هيمنة الدولار”، وهو مفهوم يشير إلى التراجع التدريجي لهيمنة الدولار الأمريكي في التجارة والتمويل الدوليين.
ورغم أن هذه العملية كانت بطيئة على مدى السنوات الماضية، إلا أنها تسارعت مؤخرًا بفعل تزايد اعتماد الصين على عملتها الوطنية، اليوان (أو الرنمينبي)، في المعاملات عبر الحدود، وفقًا لتقرير حديث نشرته منصة “أويل برايس”.
ابتعاد الصين عن الدولار
تاريخيًا، اعتمدت الصين كما العديد من الدول بشكل كبير على الدولار في تجارتها الدولية. ووفقًا لـ”أويل برايس”، في عام 2010 كانت أقل من 1% من المدفوعات عبر الحدود في الصين تُسوى باليوان، بينما كان 83% منها بالدولار.
ومع مرور الوقت، تجاوز اليوان الدولار لأول مرة في تسويات التجارة الصينية في مارس/آذار 2023، وبحلول مارس/آذار 2024، ارتفعت نسبة المدفوعات الصينية باليوان إلى 52.9%، مما يمثل تصاعدًا ملحوظًا في غضون خمس سنوات فقط.
ويُعزى هذا التحول إلى عدة عوامل، منها رغبة الشركات الأجنبية المتزايدة في تقليل تعرضها للدولار من خلال التجارة باليوان. كما أن دولًا مثل البرازيل والأرجنتين بدأت في قبول اليوان في تجارتها، مما عزز استخدامه على الصعيد الدولي.
وكان للحكومة الصينية والبنك المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني) دور محوري في هذا التحول من خلال تنفيذ سياسات لتسهيل استخدام اليوان في التجارة والاستثمار عبر الحدود.
تحديات وتحولات إستراتيجية
ورغم صعود اليوان، فإن عملية التخلص من هيمنة الدولار لم تخلُ من التحديات. فقد واجهت الصين في عامي 2015 و2016 مضاربات منظمة على عملتها، مما اضطر بنك الشعب الصيني للتدخل لدعم استقرار اليوان.
وأدت هذه الأزمة إلى إعادة تقييم الصين لإستراتيجيتها في التخلص من هيمنة الدولار، حيث تحولت من التوسع العدواني إلى نهج أكثر حذرًا. وأولت الحكومة الصينية الأولوية لنظم تسوية التجارة باليوان، وشددت على مراقبة رأس المال لمنع تدفقات النقد الخارجة الزائدة، مما ساعد في حماية الاقتصاد، ولكنه أدى أيضًا إلى إبطاء وصول اليوان للعالمية.
تأثير عالمي وتطلعات مستقبلية
رغم أن عملية التخلص من هيمنة الدولار تتم بشكل تدريجي، إلا أنها تحمل تداعيات كبيرة على النظام المالي العالمي. فقد يؤدي تقليل الاعتماد على الدولار إلى إعادة توزيع القوة الاقتصادية والنفوذ على المستوى الدولي. ورغم نمو اليوان، إلا أن الدولار لا يزال هو العملة المهيمنة في سوق الصرف الأجنبي، حيث مثل 88.5% من جميع معاملات الصرف الأجنبي في عام 2022.
ومع ذلك، فإن اليوان، بحصة 7%، يُعد العملة الأسرع نموًا في سوق الصرف الأجنبي، مما يشير إلى قبوله المتزايد خاصة في التجارة مع الصين.
وفي حين أن التخلص الكامل من هيمنة الدولار قد يبدو غير مرجح في القريب العاجل، إلا أن صعود اليوان يمثل تحولا جوهريًا في المالية العالمية. وتشير الجهود المستمرة التي تبذلها الصين لتعزيز استخدام اليوان في المعاملات الدولية وبناء البنية التحتية اللازمة، إلى أن اليوان سيلعب دورًا متزايدًا في التجارة والتمويل العالميين. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات، مثل ضوابط رأس المال الصارمة والقلق بشأن استقرار اليوان على المدى الطويل.