في وسط ويلات الحرب، تصمد صنعاء القديمة وتطمح إلى تعافٍ قريب
قضت دعاء الواسعي سنوات طويلة تعمل بسرور كمرشدة سياحية في صنعاء القديمة، حيث كانت تقود الزوار لاستكشاف الأماكن الخفية في العاصمة اليمنية، وتأخذهم في جولات إلى أسواقها المليئة بالمصنوعات الفضية والتوابل والبهارات.
في هذه الأثناء، وبعد مرور نحو عقد من الزمن في وسط أصعب الظروف خلال حرب مستمرة في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، تبدو تلك الحياة كما لو كانت ذكرى بعيدة. تتحدث صنعاء القديمة التي نشأت فيها دعاء الواسعي عن أوقات ماضية بعيدة، حيث كانت تعيش معزولة عن العالم الخارجي، فيما تتصدّر مبانيها المصنوعة من الطوب الآجر منذ آلاف السنين المشهد.
دعاء (40 عامًا)، التي قضت سنوات في توجيه الزوار وتقديم الإرشادات، تشعر بالاحترام العميق للزي التقليدي والأطباق اليمنية، وهي الآن تقدر تراث بلدها أكثر من أي وقت مضى بفضل شرحها للأجانب.
لكن بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، تتراجع مهارات دعاء اللغوية باللغات الأجنبية، فلا توجد كلمات قادرة على وصف معاناة بلدها باللغة الإنجليزية أو الألمانية أو حتى الفرنسية.
تعد مدينة صنعاء القديمة المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 2015 على خطر التدمير بسبب النزاع المسلح الذي اندلع في اليمن، حيث شهدت تدخل تحالف عسكري عربي لدعم الحكومة اليمنية في مواجهة الحوثيين المسلحين.
على الرغم من مضي آلاف السنين على تأسيسها، تواجه صنعاء القديمة اليوم تحديات خطيرة بسبب الحرب، حيث تعاني من ضربات جوية وعدم وجود صيانة لمبانيها التاريخية المبنية من الطوب الآجر.
مع ضياع الأمل في نهاية الحرب، تستخدم دعاء الوقت لصالحها بمتابعة دراستها للحصول على درجة الماجستير في مجال السياحة من جامعة صنعاء، آملةً في أن تكون قادرةً يومًا ما على المساهمة في تعافي مدينتها القديمة.
وبينما تعتزم دعاء الاستفادة من الوقت الذي فقده خلال الحرب، تحمل مسجلاتها الشخصية سجلاً مؤلمًا عن تدهور حالة المدينة القديمة. تحمل تلك المسجلات قائمة بالمنازل المنهارة والفنادق التي أصبحت متصدعة.
مدينة صنعاء القديمة، التي تحتضن تاريخًا يمتد لأكثر من 2500 عام، تواجه الآن خطرًا مباشرًا بسبب القصف الجوي والتهديدات غير المباشرة المرتبطة بغياب الصيانة والترميم.
شهدت معظم مناطق اليمن تراجعًا كبيرًا في حدة القتال منذ سريان هدنة في أبريل/نيسان 2022. وعلى الرغم من ذلك، فإن غياب وقف دائم لإطلاق النار أدى إلى تجميد العديد من المؤسسات في البلاد، بما في ذلك هيئة الحماية العامة المكلفة بإنقاذ المواقع التاريخية.
في إبريل/نيسان الماضي، زاد القلق عندما قتل أكثر من 80 شخصًا في حادث تدافع أثناء توزيع منحة نقدية في نهاية شهر رمضان في مدرسة بالمدينة القديمة. لم يبلغ مبلغ الصدقة حتى 5 آلاف ريال يمني، وهو ما يقارب 8 دولارات فقط.
رغم تلك المصاعب المتراكمة، يمتلك سكان المدينة القديمة الأمل في إعادة إحياء مجدها السابق. عبد الله عصبة (28 عامًا) يقول إنهم “يراهنون على إمكانية إعادة الحياة إلى الأماكن الخضراء”، في إشارة إلى حقلهم الزراعي الذي كان يُعتبر كالجنة قبل الحرب.
الحقل الزراعي يقع بالقرب من مبنى تم تدميره جراء غارة جوية في عام 2015. وعلى الرغم من ذلك، يستمر عبد الله وعائلته في زراعة المحاصيل هنا منذ عقود، وهم يسعون جاهدين لإعادة تأهيله خطوة بخطوة.
بالقرب من بوابة اليمن التاريخية في المدينة القديمة، يعمل صلاح الدين في متجر يبيع زيوت العلاج التقليدية. هنا، يتذكر صورة للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران خلال زيارته للبلدة القديمة في التسعينيات. وفي تلك الفترة، كانت رؤية الأجانب في شوارع صنعاء أمرًا مألوفًا.
صلاح الدين يشعر بالتفاؤل بعودة تلك الأيام الجميلة، ويقارن المدينة القديمة بمريض يرقد في المستشفى. ويقول “سيأتي يومًا وستتعافى. الحرب هي المرض، ولكننا سنتعافى”.