قراءة في أوجه الإتفاق والإختلاف بين الشاعرين : أحمدو عبد القادر ولمجيدري حبله

بقلم / محمد عبد الله محمدن

أحمدو ولد عبد القادر والمجيدري ولد حبله شاعران
موريتانيان ينتميان إلى بيئتين زمنيتين وثقافيتين مختلفتين، لكن كلاً منهما أسهم بطريقته في إثراء الساحة الأدبية والثقافية في موريتانيا. سنقدم مقارنة تحليلية بين الشاعرين من حيث الخلفية الفكرية، والمواضيع الشعرية، والأسلوب الفني، والموقف النقدي
- الخلفية الفكرية والثقافية
أحمدو ولد عبد القادر (1942-2021):
ينتمي إلى فترة ما بعد الاستعمار، حيث شهدت موريتانيا تحولات سياسية واجتماعية كبيرة. تأثر بالمد القومي العربي والفكر التحرري، وكان ناشطًا ثقافيًا وسياسيًا، مما انعكس في شعره من حيث الدفاع عن الهوية الوطنية والقضايا القومية. كما تأثر بالحداثة الشعرية إلى حد ما، لكنه حافظ على أصالة القصيدة التقليدية.
المجيدري ولد حبله (القرن 18 – 19):
ينتمي إلى بيئة تقليدية دينية محافظة، حيث كان التعليم الديني والفقهي هو السائد. عُرف المجيدري بثقافته العميقة في العلوم الشرعية واللغوية، وكان شعره انعكاسًا لهذه البيئة، حيث مزج بين الشعر والتصوف واللغة العميقة، مع انغماس في الشعر الحكمي والزهد.
- المواضيع الشعرية
أحمدو ولد عبد القادر:
ركز على قضايا التحرر الوطني، والانتماء العربي والإسلامي، والتعبير عن هموم الشعب الموريتاني. كما تناول قضايا الوحدة العربية والنضال ضد الاستعمار والصهيونية. وكان لشعره بعد اجتماعي يعكس واقع الفقراء والمهمشين.
المجيدري ولد حبله:
غلب على شعره الجانب الأخلاقي والحكمي، إضافة إلى التطرق إلى موضوعات الزهد والتصوف. كان مهتمًا بالحكمة والتأمل في النفس والوجود، مستخدمًا لغة رمزية ومعاني عميقة مرتبطة بالعلوم الدينية.
- الأسلوب الفني
أحمدو ولد عبد القادر:
مزج بين الكلاسيكية والتحديث، حيث حافظ على الوزن والقافية لكن مع تجديد في الصورة الشعرية والتعبير. لغته جزلة لكنها تميل أحيانًا إلى البساطة لتصل إلى عامة الناس. اعتمد على الرمزية أحيانًا لإيصال أفكاره السياسية والاجتماعية.
المجيدري ولد حبله:
كان أسلوبه تقليديًا كلاسيكيًا بامتياز، اعتمد على اللغة الفصيحة المتأثرة بالبلاغة القرآنية والشعر العربي القديم. تميزت قصائده بالتماسك والعمق اللغوي، مع اعتماد كبير على الجناس والطباق والمحسنات البديعية.
- الموقف النقدي من الواقع
أحمدو ولد عبد القادر:
كان ناقدًا لواقع التخلف السياسي والاجتماعي في موريتانيا والعالم العربي. عبّر عن رفضه للاستعمار والظلم الاجتماعي، ودافع عن قضايا الحرية والكرامة. يمكن وصفه بالشاعر الملتزم الذي سخّر شعره لخدمة قضايا الأمة.
المجيدري ولد حبله:
ركز نقده على النفس البشرية وأخلاق المجتمع من خلال الموعظة والحكمة. لم يكن ناقدًا سياسيًا، بل كان ناقدًا أخلاقيًا وفكريًا يسعى إلى إصلاح النفوس بالموعظة الحسنة والزهد.
- الإبداع والابتكار
أحمدو ولد عبد القادر:
أدخل الحداثة جزئيًا في شعره من خلال تنويع الصور الشعرية والتطرق إلى موضوعات معاصرة. كان أكثر جرأة في التعبير عن القضايا السياسية والاجتماعية مقارنة بالشعر التقليدي.
المجيدري ولد حبله:
حافظ على القوالب الشعرية التقليدية دون تجديد يُذكر، لكن قوته تكمن في عمق المعاني ودقة اللغة. تفوق في استخدام الشعر كوسيلة لتوصيل العلوم والمفاهيم الأخلاقية والدينية.
خلاصة المقارنة
أوجه التشابه: كلا الشاعرين اعتمدا على الشعر كوسيلة للتعبير عن أفكارهما وقيمهما، مع اختلاف في زاوية الطرح. كما أن كليهما التزم بالوزن والقافية في معظم إنتاجهما.
أوجه الاختلاف: اختلفا في الموضوعات؛ أحمدو كان أكثر انخراطًا في القضايا الوطنية والسياسية، بينما المجيدري ركز على الحكم والتصوف. كما أن أحمدو حاول إدخال بعض ملامح الحداثة في شعره، بينما ظل المجيدري متمسكًا بالنمط الكلاسيكي.
هذه المقارنة تعكس كيف أن البيئة والزمن والفكر يساهمون بشكل كبير في تشكيل شخصية الشاعر وأسلوبه.