كيف ابتكرت مجموعة إعلامية ألمانية أكاذيب حول واقع غزة؟
عدد من القنوات الألمانية الداعمة لإسرائيل يُظهرون اجتهادًا في تشويه سمعة الفلسطينيين، ولا سيما مجموعة “أكسل شبرينغر”، التي تمتلك وسائل إعلامية متعددة، بما في ذلك المحطة التلفزيونية “فيلت” (Welt) وصحيفة “بيلد” (BILD)، واللتان تعتبران من أبرز وسائل الإعلام في ألمانيا. ولكن مؤخرًا، شهدت هذه المجموعة فضائح إعلامية كبيرة.
قدّمت قناة “فيلت” في أحد برامجها ما ادعته “تحققًا من الأخبار”، حيث زعمت أن شابًا فلسطينيًا من قطاع غزة يُدعى صالح الجعفراوي، ليس إلا ممثلًا، وسمّته “باليوود”، وهذا اللقب تم استخدامه من قبل جهات إسرائيلية ومؤيدة لها لاتهام الفلسطينيين بالتلاعب بوسائل الإعلام من خلال “التمثيل واستغلال العواطف”.
وعرضت القناة عدة مقاطع فيها ادعاء بأن الجعفراوي مسلح، وأظهرته وهو يتجول في الشارع، ثم يظهر داخل مستشفى وهو يبكي، وفي لقطات أخرى ظهر كصحفي، وحمل طفلاً، وظهر حتى كممرض. وفي إحدى اللقطات، أُظهر الشخص داخل “كيس جثت”، وبعد ذلك اتهمت “فيلت” الجعفراوي بالتمثيل داخل المستشفى أثناء تلقي العلاج.
وقامت القناة بتسمية تغطيتها للحرب على غزة بـ “حرب إسرائيل ضد الإرهاب”، وقامت ببث صور من الإنترنت لدعم روايتها، وبعد ذلك ربطت هذا الكلام بصورة أخرى ادعت أن نشطاء فلسطينيين نشروها لعائلة فلسطينية تقال إنها قديمة، على الرغم من أنها تعود في الواقع إلى عائلة أرمنية، بهدف دعم تصويرها لوجود “فبركة فلسطينية”.
وقامت قناة “فيلت” بمزيد من التحقيق بنشر كليمنس فيرجين، كبير المراسلين لديها، للفيديو مترجمًا إلى الإنجليزية على تويتر، وراسل قناة “بي بي سي” بتساؤل حول كيفية قيام قناة صغيرة نسبيًا مثل “فيلت” بالكشف عن حقيقة هذا الرجل (الجعفراوي) كممثل في هوليوود، في حين أن مراسلي “بي بي سي” لم يكونوا على دراية بهذا الأمر.
تكرار أكاذيب تم كشفها
ما قامت به القناة الألمانية لا يُعتبر سبقًا، بل هو مجرد تكرار لجهود الدعاية الإسرائيلية على منصات التواصل الاجتماعي. فقد قامت القناة بنشر نفس الصور التي نشرها حسابات لشخصيات إسرائيلية قبل عدة أيام، وقد نفاها عدد من المستخدمين والصحفيين واعتبروها جزءًا من حرب إعلامية تهدف إلى التلاعب وتقليل التضامن العالمي مع غزة، خاصة نظرًا لأن حساب الجعفراوي يتابعه 2.7 مليون شخص.
رد الصحفي ومدقق الحقائق الأمريكي مات بيندر على المراسل الألماني بأنه يجب عليهم أن يشعروا بالخجل من طريقة عملهم غير المسؤولة، حيث اتهمهم بنشر الأكاذيب والترويج لها على أنها تغطية جيدة. وأشار بيندر إلى أنه قام بالتحقق من هذه المزاعم منذ أيام، وأكد أن ادعاء فبركة الجعفراوي للعلاج في المستشفى غير صحيح، حيث أظهر أن الشخص الذي يظهر في الفيديو هو شاب آخر يُدعى محمد زنديق، وكان هذا الفيديو قد تم نشره على تيك توك في أغسطس/آب الماضي بعد أن فقد الشاب محمد ساقه في هجوم إسرائيلي على الضفة الغربية.
وقد أكد موقع مسبار للتحقق من الأخبار نفس الأمور قبل أيام، حيث أشار إلى أن المشهد الذي زعمته القناة “فيلت” أنه يعود للجعفراوي، في الواقع يعود إلى الشاب زنديق الذي أصيب خلال اقتحام إسرائيلي لمخيم نور الشمس في طولكرم بالضفة الغربية.
وبعد كشف هذه الأكاذيب، قام كليمنس فيرجين بحظر بيندر وعدد من مستخدمي تويتر الذين كشفوا عن التضليل المستمر الذي تقوم به قناته.
يُشير إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تورطت فيها قناة “فيلت” بالتضليل، إذ سبق لها أن ربطت بين احتفال لاعبي المنتخب المغربي في مونديال قطر وبين “تنظيم الدولة” بزعم رفعهم أصبع السبابة، في إطار انزعاجها من رفع المغاربة للعلم الفلسطيني، واضطرت فيما بعد إلى الاعتذار بعد حملة غضب واسعة.
شهدت العاصمة برلين في السابع من نوفمبر 2023 مظاهرة واسعة شارك فيها الآلاف من أنصار القضية الفلسطينية. ومع ذلك، لم تتقبل صحيفة “بيلد” هذا الحدث بإيجابية وحاولت تشويه سمعة المظاهرة. ومع ذلك، انتهت محاولاتها بفضيحة مؤسفة.
بدلاً من ترجمة شعار المتظاهرين الذي جاء بعبارة “إسرائيل تقصف، وألمانيا تموّل”، قامت الصحيفة بتشويه المعنى وتغيير الشعار إلى “اقصفوا إسرائيل” ونشرته كعنوان رئيسي للمقال على موقعها الإلكتروني. وما زاد الأمور سوءًا هو أن الصحيفة لم تقم بالتحقق من صحة الشعار بشكل صحيح حيث لم يقم سوى 7 صحفيين بتحرير الخبر دون التحقق من دقة المعلومات.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت الصحيفة عنوانًا جانبيًا مضللًا يقول “8500 مشارك في مسيرة كارهة لليهود في برلين”، بالرغم من أن المظاهرة شارك فيها أيضًا إسرائيليين ويهود يعارضون العدوان على غزة.
الصحفي طارق بايي أشار إلى أن مجموعة إكسل شبرينغر تقوم بخلق صورة مزيفة لعدو يجب تجنبه. حيث قامت بتحريف شعار المظاهرة لإثارة العنف وأيضًا اختلاق رقم 8500 كمشاركين يعادون إسرائيل.
من الجدير بالذكر أن وسائل الإعلام التي تتبع مجموعة “أكسل شبرينغر” تميل بوضوح إلى الدفاع عن إسرائيل أكثر من وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها. وفي عام 2021، طالبت هذه المجموعة الصحفيين الذين لا يوافقون على رفع علم إسرائيل على مبنى الصحيفة بالبحث عن وظائف أخرى.