كيف غيّر تيك توك قواعد اللعبة في وسائل التواصل الاجتماعي؟
تحولات المشهد الرقمي: من المؤثرين إلى ديمقراطية المحتوى
لطالما كانت وسائل التواصل الاجتماعي قلاعًا عظيمة يسيطر عليها المؤثرون بفضل جيوش متابعيهم الهائلة. هؤلاء المؤثرون حكموا المحتوى المقدم وأثروا بشكل كبير في تشكيل الرأي العام. إلا أن ظهور منصات مثل تيك توك قد قلب هذه الديناميكيات رأسًا على عقب.
تيك توك وتغيير القواعد التقليدية
من أبرز ما قدمه تيك توك هو صفحة “من أجلك” (For You)، وهي ميزة فريدة تُعيد تشكيل مفهوم التفاعل الاجتماعي. تعتمد هذه الصفحة على خوارزميات معقدة تحلل تفضيلات وسلوكيات المستخدمين لتقديم محتوى مخصص لكل فرد. بدلاً من الاعتماد على عدد المتابعين، تُعرض الفيديوهات استنادًا إلى جودتها وجاذبيتها.
كيف تعمل صفحة “من أجلك”؟
تستخدم صفحة “من أجلك” الذكاء الاصطناعي لتحليل عدة عوامل بهدف تقديم محتوى ملائم لكل مستخدم، منها:
- التفاعل مع الفيديوهات السابقة: يشمل الإعجابات، التعليقات، المشاركات، وإعادة المشاهدة.
- مدة المشاهدة: تحدد الخوارزمية مدى اهتمام المستخدم بالفيديو بناءً على المدة التي يقضيها في مشاهدته.
- التفضيلات المعلنة: مثل الفيديوهات المحفوظة أو التي تفاعل معها المستخدم بشكل متكرر.
- بيانات الفيديو: تشمل العناوين، الهاشتاغات، والموسيقى المستخدمة في الفيديوهات.
هذا النظام يسمح لأي مستخدم بالظهور في صفحة “من أجلك” الخاصة بالآخرين إذا كان محتواه جذابًا ومبدعًا. هذا النموذج يشبه الساحة المفتوحة، حيث يمكن لأي شخص عرض مهاراته وإبداعاته دون الحاجة إلى قاعدة جماهيرية كبيرة مسبقًا.
الانتشار الكبير لتيك توك
بفضل ميزة “من أجلك”، حقق تيك توك انتشارًا واسعًا وجذب جمهورًا متنوعًا من مختلف الأعمار والاهتمامات. وفقًا لتقرير “آب أنيي” (App Annie) لعام 2021، أصبح تيك توك التطبيق الأكثر تنزيلًا عالميًا، متفوقًا على فيسبوك وإنستغرام. في سبتمبر/أيلول 2021، بلغ عدد مستخدميه النشطين شهريًا أكثر من مليار مستخدم، ما يدل على جاذبيته الكبيرة.
وأظهرت دراسة من “سوشيال ميديا توداي” (Social Media Today) أن متوسط معدل التفاعل على تيك توك يبلغ 5.3%، مقارنة بـ0.83% على إنستغرام و0.13% على فيسبوك، مما يعكس قدرة تيك توك على جذب اهتمام الجمهور بشكل أكبر.
تأثير تيك توك على المنصات الأخرى
دفع نجاح تيك توك المنصات الأخرى إلى تقليد نهجه. قدم إنستغرام ميزة “ريلز” (Reels) في عام 2020، وتبعه يوتيوب بإطلاق “شورتس” (Shorts) في عام 2021. حتى فيسبوك بدأ بتقديم ميزات مشابهة، مما يدل على تأثير تيك توك الكبير على صناعة وسائل التواصل الاجتماعي.
الديمقراطية الرقمية الجديدة
في هذا العصر الرقمي، لم يعد الأفراد يمتلكون فقط “متابعين” بل “مشاهدين”. يمكن لأي شخص أن يحصل على مشاهدات تتجاوز تلك التي يمتلكها كبار المؤثرين بشرط أن يكون محتواهم صادقًا وفريدًا. هذا التحول يعزز الديمقراطية الرقمية، حيث يصبح الجمهور هو الحكم النهائي لجودة المحتوى، وليس المؤثرين أو عدد المتابعين.
تشير دراسة أجرتها جامعة “كايس ويسترن ريسيرف” (Case Western Reserve) إلى أن المحتوى الأصيل والمبتكر يجذب مشاهدات أكبر من المحتوى المكرر أو المروج له من قبل كبار المؤثرين. كما يُظهر تحليل “إنفلونسير ماركيتنغ هب” (Influencer Marketing Hub) أن الحسابات الصغيرة والمتوسطة على تيك توك تحظى بمعدل تفاعل أعلى مقارنة بالحسابات الكبيرة، مما يعزز فكرة أن الجودة تتفوق على الكمية.
مستقبل الفضاء الرقمي
يشبه هذا الانفتاح في الفضاء الرقمي إزالة الجدران العالية التي كانت تفصل بين النخبة والعامة. يصبح الوصول إلى جمهور واسع النطاق ممكنًا لأي شخص يمتلك الموهبة والإبداع، مما يفتح الباب أمام نمط جديد من الديمقراطية الرقمية. هذه التحولات تعيد تعريف مفهوم القوة والنفوذ في وسائل التواصل الاجتماعي، وتجعل من الممكن لأي شخص أن يكون نجمًا في العالم الرقمي.
تشير هذه التغيرات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كما نعرفها اليوم قد تختفي قريبًا، لتحل محلها نماذج جديدة تركز على الجودة والأصالة بدلاً من عدد المتابعين. في هذا العالم الرقمي المفتوح، يمكن لأي شخص أن يكون له صوت مسموع، مما يعزز من الديمقراطية الرقمية الحقيقية.