تكنولوجيا

كيف كسب رئيس مايكروسوفت الرهان على الذكاء الاصطناعي؟

يقارن العديد من خبراء الاقتصاد والتكنولوجيا بين لحظة الإعلان عن أول هواتف “آيفون” في عام 2007 وإطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي في 2022، إذ غيرت كلتا اللحظتين مجرى التاريخ وأسهمتا في إنشاء عالم تكنولوجي جديد مليء بتقنيات غير معروفة بعد، بالإضافة إلى تحقيق نجاح مالي كبير للشركات المطورة.

ورغم أن لحظة الذكاء الاصطناعي ساهمت في تعزيز اسم “أوبن إيه آي” (OpenAI) كواحدة من الشركات الرائدة في القطاع التكنولوجي، فإن هناك مجموعة أخرى من الشركات استفادت وصعدت إلى مستويات غير مسبوقة، منها “إنفيديا” و”مايكروسوفت”. وبينما استفادت “إنفيديا” من حاجة الشركات لشرائح الذكاء الاصطناعي لبناء النماذج، اتخذت “مايكروسوفت” نهجًا آخر بفضل النظرة الثاقبة لمديرها التنفيذي ساتيا ناديلا الذي آمن بالذكاء الاصطناعي قبل رواجه. وبفضل هذا الإيمان، قفزت أرباح “مايكروسوفت” أكثر من 70% لتتجاوز 3.3 تريليونات دولار. ولكن كيف تمكن ناديلا من تحقيق هذا النجاح؟ وهل تستمر علاقة “مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي” المثالية؟

ولادة جديدة لشركة عريقة

لم تغب “مايكروسوفت” عن ساحة التكنولوجيا والحواسيب منذ ظهور الحواسيب في عام 1973 وحتى قبل تأسيسها، بفضل وجود بيل غيتس ضمن المجموعة التي عملت على أول نموذج حاسوب شخصي. لذا، انصهر إرث “مايكروسوفت” مع تاريخ الحواسيب والتقنية بشكل عام، وأصبحت ركنًا أساسيًا فيه. ورغم هذا، عانت الشركة من فترة كانت فيها متأخرة من ناحية الابتكار، بفضل إطلاق عدد من المنتجات غير الموفقة مثل مشغل الموسيقى “زون” والمراهنة على منتجات “نوكيا” في عصر الهواتف الذكية، فضلًا عن إطلاق محرك البحث “بينغ”.

كان ستيف بالمر المدير التنفيذي للشركة في ذلك الوقت، وهو الذي يقف وراء هذه القرارات المتخبطة. انتهى عهد بالمر في 2014 ليخلفه ساتيا ناديلا الذي تعود أصوله إلى أسرة هندية ويملك شغفًا حقيقيًا بالتكنولوجيا. لم يتسلق ناديلا فجأة إلى قمة “مايكروسوفت”، بل كان جزءًا من عدة فرق عملت في الشركة على مدار 12 عامًا قبل تحوله إلى رئيسها التنفيذي.

سلسلة من الرهانات الناجحة

جاء ناديلا بفلسفة بعيدة عن فلسفة بالمر، إذ تخلص في البداية من صفقة “نوكيا” الفاشلة، ثم اعتنق سياسة المصادر المفتوحة التي وصفها بالمر بكونها “سرطانًا” في عالم البرمجيات. أدت هذه السياسة إلى تغييرات عديدة في الشركة، أبرزها إتاحة تطبيقاتها وخدماتها عبر جميع الأجهزة الذكية، مما عزز موقع “مايكروسوفت” كثاني أقوى شركة في الخدمات السحابية بعد “أمازون”.

نظرة ناديلا الثاقبة جعلته يستحوذ على منصة “جيت هب” (GitHub) في 2018 مقابل 7.5 مليارات دولار، وضمان مكانة “مايكروسوفت” في مجتمع البرمجيات المفتوحة. وفي نهاية 2018، واجه ناديلا تحديًا جديدًا عندما أعلنت “غوغل” عن نموذج “بيرت” (BERT)، مما وسع الفجوة بينها وبين “مايكروسوفت”. أدرك ناديلا حاجة “مايكروسوفت” إلى تطوير شبكة الحواسيب والخوادم الخاصة بها، لذا قرر التعاون مع “أوبن إيه آي”.

نظرة ثاقبة ودعم للحالمين

في 2019، أكمل ناديلا صفقته الثورية مع “أوبن إيه آي” مقابل مليار دولار، مما أتاح لـ “مايكروسوفت” الوصول إلى تقنيات الشركة ودمجها مع منتجاتها. رغم المعارضة الكبيرة من المجتمع التقني، استثمر ناديلا ملياري دولار إضافية في “أوبن إيه آي”، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع منصة “جيت هب” لتساعد المطورين في كتابة الأكواد. وفي 2022، كشف عن “شات جي بي تي”، مما أثار ثورة في الذكاء الاصطناعي وحقق عوائد مالية مذهلة لـ “مايكروسوفت”.

الخوف من “أوبن إيه آي”

في نوفمبر 2023، ظهرت علامات اضطراب في “أوبن إيه آي” بعد إزاحة سام ألتمان عن منصب المدير التنفيذي، مما دفع ناديلا إلى عرض وظيفة في “مايكروسوفت” على ألتمان وفريقه. بعد ذلك، قرر مجلس إدارة “أوبن إيه آي” إعادة ألتمان إلى منصبه. رغم ذلك، أدرك ناديلا أهمية تقليل الاعتماد على “أوبن إيه آي”، لذا وجد مبتغاه في شركة “إنفليكشن إيه آي” (Inflection AI) التي يرأسها المهندس مصطفى سليمان، واستثمر فيها 653 مليون دولار لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بـ “مايكروسوفت”.

قيادة الذكاء الاصطناعي

يؤمن ناديلا بشدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما دفعه إلى استثمار أكثر من 20 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي. بفضل رؤيته واستثماراته الجريئة، تسير “مايكروسوفت” نحو ريادة مجال الذكاء الاصطناعي، وقد تقود مسيرة الابتكار في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى