لماذا تأخرت إسرائيل في شن هجوم بري على غزة حتى اللحظة؟
مرت أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء عملية “طوفان الأقصى”، وعلى الرغم من تجميع القوات الإسرائيلية بالمئات على حدود غزة، إلا أنها لا تزال تتردد في اتخاذ قرار نهائي بالدخول. هناك عدة أسباب لهذا التأخير؛ بعضها سياسي وبعضها يتعلق بمسألة الأسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم حماس. هذه القضية تشكل نقطة ضغط قوية على إسرائيل. ومع ذلك، هناك مخاوف إسرائيلية أخرى تتعلق بما قد يحدث لقواتها خلال هجوم بري على غزة.
في تقرير سابق بعنوان “حرب الأفخاخ”.. نظرًا للتقدم الكبير الذي أحرزته المقاومة الفلسطينية منذ حرب غزة في 2014، فإنها قادرة الآن على توظيف أدواتها وخبراتها بفعالية، مما يمكنها من تحقيق خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي في أي مواجهة برية، وخصوصًا في البيئة الحضرية. أثبتت عملية “طوفان الأقصى” مدى تطور العمليات والاستخبارات لدى فصائل المقاومة، وتحديداً حماس.
كل شيء محتمل
لهذا السبب، تقوم القوات الجوية الإسرائيلية بقصف غزة بكثافة من الجو باستخدام الصواريخ والقنابل. هذا القصف ليس فقط لاستهداف مواقع تمركز المقاومة كما تُدعي، ولكنه أيضًا يهدف إلى إحداث أكبر خسائر ممكنة في صفوف الفلسطينيين المدنيين العُزل. الهدف من ذلك هو الضغط على حماس وإضعاف عزيمة مقاتليها.
في هذه الغارات على غزة، استخدمت إسرائيل بشكل كبير القنابل الذكية من نوع “ذخيرة الهجوم المباشر المشترك” المعروفة باسم “جدام” (JDAM). تعتمد هذه القنابل على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وزعانف تحكم لتوجيه القنابل بدقة نحو أهداف محددة. يمكن إطلاق هذه القنابل من ارتفاعات متوسطة وعالية وتظل دقتها عالية حتى في ظروف جوية سيئة. وهذا يعني أن الاستهداف المباشر لمبانٍ مثل المستشفى المعمداني ليس مجرد خطأ عرضي، بل يعتبر استهدافًا متعمدًا.
بالإضافة إلى ذلك، ندرك الآن أن التركيز الكبير على التكنولوجيا العالية من جانب الجيش الإسرائيلي قاد صانعي السياسات وكبار الضباط إلى الاعتقاد الخاطئ بأن التكنولوجيا وحدها تكفي لضمان التفوق في أي مواجهة. وهذا الاعتقاد أدى إلى الإهمال في تطوير مهارات أخرى مهمة، مثل القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ومعقدة خلال الهجمات. بدلاً من التركيز على التحضير لحروب مستقبلية، كان الجيش الإسرائيلي مشغولًا بمراقبة الضفة الغربية وغزة وقمع الفلسطينيين العزل. وقد افتُرض أنه لن يكون هناك حاجة إلى مواجهة برية قريبة.
الجندي الإسرائيلي ببساطة ليس مُجهزًا بشكل كافٍ لمواجهة حرب برية في الوقت الحالي، ومع ذلك، فإنه يُطلب منه التحضير لمثل هذه الحروب. بالإضافة إلى ذلك، بسبب زيادة قدرة حماس على تنفيذ وتوثيق مهامها ونشرها عبر وسائل الإعلام بشكل أكثر احترافية، يمكن أن يكون لدى صناع السياسة وقادة الجيش الإسرائيليين مخاوف من نشر هزائمهم أمام العالم، مما يجعلهم يخشون أن تتحول هذه الهزائم إلى فضيحة جديدة لدولة تُظهر نفسها على أنها الأقوى في المنطقة. هذه هي مشكلة الحرب التي ليست غريبة: لا تُفاز الآلة بمفردها أبدًا، على الأقل حتى لحظة كتابة هذه الكلمات.
حرب متعددة الجبهات
هناك سياق آخر يجب مراعاته، وهو انتظار الدعم الأميركي. فقد قامت الولايات المتحدة بإرسال حاملتي طائرات ضخمتين إلى المنطقة، وهما “يو إس إس دوايت آيزنهاور” و”يو إس إس جيرالد فورد”، واللتين تستوعبان نحو 75 طائرة مقاتلة، بما في ذلك طائرات “إف-35”. هذا الإرسال لم يكن مجرد دعم لإسرائيل بل كان هناك اهتمام بتحديد موقع المعركة البرية داخل غزة ومنع تصاعد التوتر إلى حرب متعددة الجبهات.
بالواقع، هناك مخاوف داخل الجيش الإسرائيلي من احتمال تصاعد التوتر على جبهات متعددة في نفس الوقت، مما يشمل غزة ولبنان، ويمكن أن يمتد إلى الضفة الغربية وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان. هذا يشكل تحديًا خطيرًا من وجهة نظر الاحتلال.
هذا النقاش مستمر لأكثر من عقد داخل وزارة الدفاع الإسرائيلية، وخصوصًا بعد إطلاق يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مصطلح “حلقة النار” لوصف استراتيجية عسكرية جديدة يمكن استخدامها ضد إسرائيل، وتتضمن بناء حلقة من النار حول الدولة الإسرائيلية باستخدام الصواريخ والمسيرات من جميع الاتجاهات.
وفقًا للصحفي عاموس هاريل من صحيفة “هآرتس”، قد يكون الجيش الإسرائيلي بالفعل في طور الاستعداد لـ”حملة على ثلاث جبهات”، حيث ستكون القوات الإسرائيلية في موقف هجومي في غزة ولبنان، وموقف دفاعي في سوريا مع التركيز على لبنان بوصفه المركز الرئيسي، ولكن هذه الاستعدادات لا تزال جارية وقد لا تكون قد اكتملت بعد.