الأخبار العالمية

مارسيليا تحت رحمة عصابات المخدرات: تجنيد المراهقين وتفاقم العنف في شوارع المدينة

تعيش الأحياء الشعبية في شمال مارسيليا تصاعدًا غير مسبوق في أعمال حرب العصابات، مما يعمق مخاوف السكان على سلامة أبنائهم وتدهور الأمن العام بعد ما عُرف بأحداث “أكتوبر الأسود”.

ووفقًا لبيانات المكتب المركزي لمكافحة الجريمة المنظمة، شهدت المدينة خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2024 مقتل 12 شخصًا في جرائم تتصل في معظمها بتهريب المخدرات، ورغم أن هذا الرقم أقل من عام 2023 الذي سجلت فيه 49 حالة قتل و180 إصابة، فإن الوضع لا يزال خطيرًا مع استمرار النزاع بين عصابتي “يودا” و”دي زي مافيا”.

تعكس حملات الاعتقال التي نفذتها السلطات في 2023 حجم الأزمة، حيث تم اعتقال 241 شخصًا بينهم 16 قاصرًا دون 15 عامًا. ومع حلول 2024، برزت ظاهرة جديدة تتمثل في تجنيد العصابات لجيل أصغر سنًا، مما أثار قلق الجهات الأمنية والقضائية في جنوب فرنسا.

وفي أكتوبر 2024، وقعت جريمتا قتل صادمتان على صلة بتهريب المخدرات وتورط فيهما مراهقان، ما دفع المدعي العام في مارسيليا، نيكولاس بيسيون، إلى التحذير من تزايد وحشية هذه الجرائم. وفي حادثة أولى، تم تكليف مراهق بإشعال حريق مقابل 2000 يورو، ولكنه قُتل بوحشية على يد عصابة منافسة بعد افتضاح أمره. تكررت المأساة مع مراهق آخر جند للانتقام، لينتهي الأمر بمقتل سائق عن طريق الخطأ بدم بارد.

أعادت هاتان الجريمتان إلى الأذهان تحذيرات مجلس الشيوخ الفرنسي الذي نبه في مايو الماضي إلى خطورة استغلال القاصرين في صراعات العصابات للسيطرة على تجارة المخدرات. ووفق تقرير إذاعة “مونتي كارلو” الدولية، تقدر أرباح العصابات الشهرية في مارسيليا بحوالي 30 مليون يورو، ويصل الدخل اليومي في المناطق الساخنة إلى نحو 80 ألف يورو.

يسلط الصحفي الاستقصائي فيليب بوغول الضوء في كتابه “أبناء الوحش” على كيف تستخدم العصابات هؤلاء الشباب بوصفهم “قتلة صغار”، موضحًا أنهم غالبًا ما يكونون دون هيكل عائلي، وتتحكم فيهم العصابات عبر تكبيلهم بديون وتزويدهم بالمخدرات، واصفًا الوضع في مارسيليا بـ”الفوضى الكاملة”.

ويشير المحلل السياسي أحمد الشيخ إلى أن وضع القصر دون ذويهم في مارسيليا يُعد بيئة خصبة للجريمة المنظمة، فالكثير من هؤلاء القاصرين وصلوا إلى المدينة بعد رحلة محفوفة بالمخاطر ليواجهوا تهديدات أشد. وتستفيد العصابات من الثغرات القانونية والعقوبات المخففة ضد القاصرين في استقطاب هؤلاء، الأمر الذي يدفع بعض الساسة الفرنسيين إلى الدعوة لتشديد القوانين.

أما الباحث ماتياس بيرين، الذي يعمل مع القاصرين المحتجزين، فيرى أن العصابات تبقي هؤلاء القاصرين في عزلة عن أسرهم، مما يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال.

إن انتشار هذه الظاهرة يمتد تأثيره إلى خارج مارسيليا، حيث أشارت صحيفة “لاكروا” إلى أن ميناء أنتويرب البلجيكي، الذي أصبح المدخل الرئيسي للكوكايين إلى أوروبا، ساهم في تصاعد العنف الناجم عن تهريب المخدرات، مما أثار قلقًا متزايدًا من أن تصل تبعات هذا العنف إلى بروكسل، حيث تزايدت عمليات إطلاق النار في الشوارع بشكل ملحوظ، ما يجعل التساؤل قائمًا: هل ستتسع رقعة العنف التي تشهدها مارسيليا لتصل إلى عواصم أوروبية أخرى؟

زر الذهاب إلى الأعلى