مدينة فاس
مدينة فاس، واحدة من أبرز المدن المغربية الرائعة، تتميز بتراثها الغني وتاريخها العريق الذي يتجلى في كل زاوية من زواياها، تضم حوالي مليون نسمة وفقًا لتقديرات عام 1999. تأسست المدينة على يد إدريس الثاني وأصبحت عاصمة للدولة الإدريسية في القرن الثامن، حيث ازدهرت واكتسبت أهمية استثنائية في المغرب. لكن، مع تقدم العصر الحديث، شهدت المدينة انحسارًا في دورها الرئيسي بعدما نقل الاستعمار الفرنسي العاصمة إلى الرباط في القرن العشرين.
تقع فاس على ضفتي نهر يحمل اسمها، وكانت في الماضي مقسمة إلى مدينتين مسوّرتين مستقلتين. تعتبر منطقة خصبة حيث تحيط بها التلال والأراضي الزراعية الممتدة والغنية بالكروم والبساتين وأشجار الزيتون والمراعي المزدهرة بالحيوانات.
تتألف المدينة من ثلاثة أقسام رئيسية: فاس البالي، وفاس الجديدة، والمدينة الجديدة. تتميز بطقس معتدل يجذب السياح خلال فصول الربيع والخريف، حيث يتوافد الزوار لاستكشاف الآثار العريقة والقصور التاريخية، أو لحضور التظاهرات الدولية التي تستضيفها المدينة، سواء لأغراض ثقافية أو للمشاركة في نقاشات فكرية مثيرة.
العمارة في فاس
تنقسم مدينة فاس إلى ثلاثة أقسام رئيسية تتميز كل منها بتاريخ وثقافة مميزين. تُعتبر فاس البالي المدينة القديمة من بينها، حيث تضم العديد من المعالم التاريخية البارزة مثل جامع القرويين، الذي يُعتبر أحد أقدم المساجد في المغرب العربي، بالإضافة إلى جامعة القرويين، التي تُعتبر أقدم جامعة في العالم. وتضم فاس البالي أيضًا مجموعة من الفنادق الأثرية التي تعكس جمالية وتاريخ المدينة.
أما فاس الجديدة، التي بُنيت خلال القرن الثالث عشر من قبل المرينيين، فتحتوي على القصر الملكي الذي يعود للعصر المريني، بالإضافة إلى الجامع الكبير وحي اليهود القديم، الذي هجره سكانه في عام 1948.
أما المدينة الجديدة، فقد تأسست في عام 1916 من قبل المستعمرين الفرنسيين، وتضم محطة القطار الرئيسية ومُعظم المنشآت الصناعية في المدينة.
جامع القرويين يُعتبر رمزًا للحضارة والتاريخ في فاس، حيث أسّسته فاطمة الفهري بأمر من الحاكم الإدريسي يحيى الأول في القرن التاسع، واهتمت به بشكل كبير، حتى بقيت صائمة طوال فترة بنائه. يتميز الجامع بزخرفة أندلسية فريدة، ومنبر من الخشب المحفور، ونوافذ مزخرفة بشكل جميل، إضافة إلى الفسيفساء والنجفة النحاسية التي تُزين سقفه.
جامعة القرويين
ويتميز جامع القرويين بوجود جامعة علمية ملحقة به، تُعتبر مركزًا ثقافيًا وعلميًا بارزًا، وتُعد أقدم جامعة مستمرة بالعمل في العالم وفقًا لتصنيف منظمة اليونسكو وكتاب غينيس للأرقام القياسية. تأسست لأول مرة في عام 859م، ولا تزال نشطة حتى اليوم. قد تخرج منها بعض علماء الغرب، وتم بناء مدارس حولها في القرن الثاني الهجري، حيث استمرت في تدريس العلوم الفقهية والعلمية لمدة تزيد عن ألف ومئتي عام. كان مُدرّسو الجامعة يعيشون في بيوت خاصة توفرت لهم من قبل الدولة، وكانوا يتلقون مرتبات ومكافآت، وكانت طريقة التدريس في الجامعة تتعلق بخيارات المدرسين وأساليبهم الخاصة حتى عام 1789، عندما فرض السلطان المغربي محمد الثالث مناهج عامة على الجميع للالتزام بها.
ثقافة مدينة فاس
تشهد مدينة فاس مجموعة من الاحتفالات والمهرجانات والمؤتمرات الدولية في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والفكرية والدينية، مما جعلها تحظى بتصنيف كموقع للتراث الإنساني العالمي منذ عام 1981م، وفي أرجائها تنبض أسواق نابضة بالحركة والحيوية، مع أزقة ملتوية تحتضن العديد من المباني الأثرية القديمة، بما في ذلك سوق العطّارين القديم والزوايا والأسواق التقليدية والحمّامات والحصون وأبواب السور والقصر السلطاني والمرصد الفلكي والحي الصناعي.
ومع ذلك، فإن التجوّل في مدينة فاس يتطلب وجود مرشد سياحي لتفادي الضياع في شوارعها الضيّقة والمُعقّدة، حيث تملؤها الأسواق والمحال التي تبيع مختلف أنواع المستلزمات، وتنتشر فيها العادات والتقاليد المغربية الأصيلة مثل الأعراس التي تُحافظ عليها الأسر عبر الأجيال وطقوسها المميزة.
تاريخ مدينة فاس
تأسست مدينة فاس في نهاية القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الأول بن عبد الله، حيث قام بتأسيس “حي الأندلسيين” على الضفة اليمنى من النهر، ووسّعها إدريس الثاني في عام 809م بتأسيس “حي القيروانيين” على الضفة اليسرى. منذ ذلك الحين، أصبحت فاس المركز الحضاري والثقافي للدولة الإدريسية في المغرب، حيث ازداد عدد سكانها وتنوعت أعراقهم، بما في ذلك سكان القيروان والنازحين من بلاد الأندلس والأمازيغ الذين يعيشون في جبال أطلس.
فاس حافظت على أهميتها الدينية والثقافية العظيمة تحت حكم سلالة الأدارسة، حيث تم بناء منشآت معمارية مهمة جداً في المدينة. في القرن الحادي عشر الميلادي، استقرت كامل بلاد المغرب تحت حكم المرابطين، ونجح يوسف بن تاشفين بدخول فاس في عام 1069م، حيث قام بوحدة المدينة التي كانت مقسمة إلى جزأين، على ضفتي النهر، ببناء سور كبير يحيط بمدينة فاس كلها. في عام 1143م، دمّر السلطان عبد المؤمن الموحدي أسوار مدينة فاس وفتحها بعد حصار دام تسعة أشهر، حيث انتقلت المدينة إلى سلطة الدولة الموحدية، وظلت تحت حكمهم حتى انتقالها إلى حكم المرينيين في القرن الثالث عشر الميلادي.
أمر أبو يوسف يعقوب المنصور، ثالث خلفاء الدولة الموحدية، ببناء مدينة مُلاصقة لفاس سمّاها “فاس الجديدة”، وهي لا تزال واحدة من الأقسام التاريخية الثلاث لمدينة فاس الحالية. أما فاس القديمة (المعروفة أيضاً باسم فاس البالي) فقد حافظت على أهميتها التجارية والاقتصادية حتى بدايات القرن العشرين، عندما وقع المغرب تحت الاستعمار الفرنسي وتحوّلت الرباط إلى العاصمة، وأصبحت الدار البيضاء مركزاً رئيسياً للنشاط الاقتصادي في البلاد.
تعليق واحد