تكنولوجيا

نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني ‘ديب سيك’: ثورة جديدة تُربك عمالقة التكنولوجيا

تعمل الشركات الصينية منذ فترة طويلة على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها منذ ظهور “شات جي بي تي” لأول مرة. ومع أن شركة “علي بابا” قدمت نموذجًا سابقًا، إلا أنه لم يحقق المستوى المطلوب للمنافسة، مما أدى إلى عدم حصوله على الاهتمام الكافي عالميًا.

ولكن مع ظهور نموذج “ديب سيك”، تغير المشهد تمامًا، حيث أحدث هذا النموذج ضجة عالمية أثرت على كافة شركات وادي السيليكون المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. وقد وُصف بأنه أكثر قوة وكفاءة مقارنة بنماذج مثل “شات جي بي تي” و”جيميناي”. فما هي القصة الكاملة وراء هذا النموذج الثوري؟

نموذج استثنائي يغير قواعد اللعبة

ينتمي نموذج “ديب سيك” لشركة صينية ناشئة تحمل نفس الاسم. ورغم أن إطلاق التطبيق رسميًا تم في الأسبوع الماضي، فإن مسيرته الفعلية بدأت قبل أسابيع عبر إتاحته بشكل تجريبي للمستخدمين حول العالم. تأسست شركة “ديب سيك” على يد المستثمر الصيني ليانغ ونفيانغ، الذي يُعد من أبرز المستثمرين في قطاع الذكاء الاصطناعي، ومؤسس مشارك في صندوق “هاي فلاير” الاستثماري.

في أبريل 2023، أطلق ونفيانغ الشركة بهدف تحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو الهدف الذي تسعى جميع شركات الذكاء الاصطناعي لتحقيقه. وخلال وقت قصير، حقق التطبيق نجاحًا هائلًا، متربعًا على قمة متجر تطبيقات “آبل” كأكثر التطبيقات تحميلًا في الولايات المتحدة، متفوقًا بذلك على التطبيقات الأميركية الشهيرة، خاصة مع تصاعد أزمة حظر “تيك توك”.

التكلفة المنخفضة.. مفتاح التفوق

يعمل “ديب سيك” حاليًا بإصدار “R1″، وهو النسخة الأولى من النموذج الذي يُنافس “شات جي بي تي-أو1” ولكن بتكلفة أقل بكثير للمستخدم الواحد، حيث تبلغ تكلفة استخدام “ديب سيك” 0.50 دولار شهريًا مقارنة بـ20 دولارًا لاستخدام “شات جي بي تي”. وتفسر الشركة هذه الكلفة المنخفضة بأن تكلفة تطوير وتشغيل النموذج بلغت 5.5 ملايين دولار فقط، مقارنة بمئات الملايين التي أنفقتها شركات مثل “أوبن إيه آي” و”غوغل”.

كسر الهيمنة الأميركية

على الرغم من العقوبات الأميركية التي استهدفت تقويض وصول الشركات الصينية للتقنيات الحديثة، استطاعت “ديب سيك” تطوير نموذج قادر على التفكير المنطقي دون الاعتماد على الشرائح الأميركية من “إنفيديا”. وتشير التقديرات إلى أن الشركة ربما طورت شرائح خاصة بها أو لجأت إلى حلول مبتكرة لا تحتاج لهذه الشرائح، مما وضع شركات مثل “أوبن إيه آي” و”ميتا” في موقف حرج، خاصة مع الانخفاض الكبير في تكلفة تطوير النموذج.

التحديات والضغوط

النجاح الكبير للنموذج تسبب في جذب ملايين المستخدمين إليه خلال فترة قصيرة، مما دفع الشركة إلى إيقاف التسجيل مؤقتًا لضمان استقرار خدماتها. كما تعرض التطبيق لهجمات سيبرانية أثرت على أدائه. ومع ذلك، يُتوقع أن يواصل النموذج نجاحه مع توسع خدماته المستقبلية.

تداعيات على قطاع الذكاء الاصطناعي

ظهور “ديب سيك” أحدث صدمة في قطاع الذكاء الاصطناعي. فبعد إطلاق النموذج، انخفضت أسهم “إنفيديا” بنسبة 17%، وهو ما يعادل خسائر بقيمة 600 مليار دولار، مما أثر أيضًا على شركات أخرى مثل “مارفيل” و”برودكوم”. هذه الخسائر دفعت الشركات الأميركية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، حيث أشار مسؤولون مثل ساتيا ناديلا، المدير التنفيذي لـ”مايكروسوفت”، إلى أن نجاح “ديب سيك” يعكس تحولًا كبيرًا في القطاع.

استجابة الشركات الأميركية

أقر سام ألتمان، المدير التنفيذي لـ”شات جي بي تي”، بأن “ديب سيك” حقق إنجازًا مذهلًا، لكنه أكد أن المنافسة ما زالت قائمة مع تطوير ميزات جديدة. من جهته، وصف يان ليكون، كبير علماء “ميتا”، هذا النجاح بأنه يمثل تحولًا لصالح تقنيات الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر.

الرسالة إلى العالم

نجاح “ديب سيك” يرسل إشارة قوية إلى الشركات العالمية بأن الابتكار ليس حكرًا على طرف معين، وأن السباق في تطوير الذكاء الاصطناعي لا يزال مفتوحًا أمام الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى