هكذا أنقذت الاستخبارات التركية مخترق القبة الحديدية “الداهية الغزي”
أشارت وسائل الإعلام التركية، ولا سيما صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة التركية، في تاريخ 22 نوفمبر الحالي، إلى الدور البارز الذي لعبته وكالة المخابرات التركية “إم آي تي” في إحباط محاولة لوكالة الموساد الإسرائيلية لاختطاف مهندس برمجيات فلسطيني، الذي كان مسؤولاً عن اختراق نظام القبة الحديدية وتعطيله، وذلك أثناء تواجده في العاصمة الماليزية كوالالمبور خلال عام 2022.
كانت الحادثة قد أُعلنت علنًا في أكتوبر 2022، عندما تم اختطاف المهندس الفلسطيني عمر البلبيسي في كوالالمبور، بهدف نقله إلى تل أبيب للتحقيق معه. في الوقت نفسه، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عن امتلاك وحدة سايبر تعمل في الخفاء ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقًا لمصادر استخباراتية نقلتها صحيفة “صباح”، نجح البلبيسي في اختراق نظام تشغيل القبة الحديدية الإسرائيلية بين عامي 2015 و2016، مما سمح لصواريخ المقاومة الفلسطينية بالوصول إلى أهدافها دون أي اعتراض فعّال.
حافظت المصادر التركية على تحفظها حيال نشر الاسم الكامل للمهندس الفلسطيني، مكتفية بالإشارة إلى اسمه الأول “عمر”. وعلى الرغم من ذلك، قد كشف موقع “واي نت” الإسرائيلي عن الاسم الكامل بعد نشر صحيفة “نيو ستريت تايمز” الماليزية تفاصيل عملية الاختطاف في تقرير نشر في 17 أكتوبر 2022.
تقدم التقرير الذي يستند إلى مصادر في الاستخبارات التركية لمحة شاملة، ويوضح بداية الصراع بين الموساد الإسرائيلي والمهندس البلبيسي بعد تحريره واعتقال العصابة المسؤولة آنذاك.
تخرّج عمر البلبيسي من قسم علوم الحاسوب في الجامعة الإسلامية بغزة، وشغل منصبًا في قسم التكنولوجيا في وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة. نجح في تطوير برنامج خاص للوزارة يُسهم في اختراق أجهزة الأندرويد بسهولة عند بلوغه عامه الرابع والعشرين. استطاعت الاستخبارات الإسرائيلية في وقت لاحق كشف هوية البلبيسي، الذي قاد عملية اختراق نظام القبة الحديدية وتعطيلها بعد ثلاث سنوات من الحادثة.
وفقًا للمصادر التركية، حاول الموساد جاهدًا تجنيد البلبيسي مرارًا، حيث تواصل شخص يدعى “أنابل” معه في عام 2019، يُدّعي العمل مع شركة برمجة نرويجية. طلب منه تصميم مشروع برمجي خاص بالشركة، ولكنه رفض الاقتراح.
المراقبة واللقاء الأول
أذكرت صحيفة “صباح” أن الهندسي البلبيسي انتقل إلى إسطنبول في مارس/آذار 2020 بهدف العمل، ورأى جهاز الموساد الإسرائيلي في هذا القرار فرصة ذهبية للتقرب منه من خلال تقديم عروض عمل مغرية بعوائد مالية جاذبة.
كانت أول تفاعلات البلبيسي مع الموساد بعد مغادرته لغزة في أبريل/نيسان 2021، حيث تواصل معه عميل الموساد رائد غزال عبر تطبيق الواتساب، ادعى أنه مدير موارد في شركة فرنسية تُدعى “تنيك هاير” (Think Hire) وقدم له عرض عمل جذاب.
تمكن غزال من لقاء البلبيسي شخصياً في إسطنبول، وتحديدًا في مناطق بيليكدوزو وبيرام باشا والفاتح، خلال يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2021، ومن ثم بدأ عميل الموساد الثاني، عمر شلبي، في إقامة اتصال معه.
بدأ شلبي في التقرب من البلبيسي وقدم له مبلغًا قدره 10 آلاف دولار لتطوير برنامج برمجة لصالح شركة فرنسية أخرى. سارع البلبيسي ببرمجة البرنامج وتسليمه للشركة الفرنسية. بدورها، أرسلت الشركة الأموال عبر ضابط في الموساد باسم مستعار هو جون فوستر، وقد أكدت الاستخبارات التركية هذه المعلومات بعد فحص بيانات حساب البلبيسي في البنك “كويت ترك”.
ظل شلبي يستفسر بشكل دائم عن أي عقبة قد تعترض طريق البلبيسي إذا رغب في السفر خارج تركيا، وفي يونيو/حزيران 2022، انسحب شلبي وسلم المهمة لشخص يُدعى نيكولا رادونيج، الذي يحمل جواز سفر من الجبل الأسود، لاستكمال المهمة.
عرض العمل وشكوك الاستخبارات
وفقًا لتقارير الصحف التركية، نجح رادونيج في لقاء المهندس البلبيسي في فندق كاراكوي الذي قام بالإقامة فيه خلال الفترة من 28 إلى 31 أغسطس/آب 2022، حيث قدّم له عرض عمل جديد. تضمن الملخص أن الراتب الشهري سيصل إلى 5200 دولار إذا عمل البلبيسي من تركيا، في حين سيكون 20 ألف دولار إذا قبل العمل من مقر الشركة في البرازيل.
أوضح رادونيج للمهندس الفلسطيني أنهما سيعملان على المشروع عبر الإنترنت بالتعاون مع زملاء آخرين، والذين اتضح لاحقًا أنهم ضباط في الموساد الإسرائيلي، وهم: عبد البر محمد كايا، وفؤاد أسامة حجازي، ويوسف دحمان. وطلب من البلبيسي اختيار أحد هؤلاء الزملاء للعمل معه بشكل مستمر.
أدركت الاستخبارات التركية احتمالية اختطاف المهندس الفلسطيني، مما دفعها إلى منعه من السفر في المرة الأولى خوفًا على حياته. ومع إصرار البلبيسي على السفر إلى ماليزيا، حيث لا توجد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في عطلة لمدة 15 يومًا، قامت الاستخبارات التركية بإبلاغ إدارتها في إسطنبول بالشكوك المتزايدة حول التهديدات التي تشكل خطرًا على حياة البلبيسي.
وقد أصدرت الاستخبارات التركية جميع التحذيرات الضرورية قبل مغادرة البلبيسي تركيا، ونفذت تثبيت تطبيق تتبّع على هاتفه لتحديد موقعه مباشرة في ماليزيا حتى في حالة إغلاق الهاتف، وفقًا لما ذكرته الصحيفة.
في أيدي الموساد
عند وصول المهندس الفلسطيني إلى مطار العاصمة الماليزية كوالالمبور في 28 سبتمبر/أيلول 2022، كان فريق من الموساد في انتظاره، حيث تم اختطافه ونقله إلى شاليه يبعد 50 كيلومترًا من العاصمة. هناك تعرض لتعذيب شديد واستجواب استمر لمدة 36 ساعة عبر جلسات فيديو كونفرانس مع ضباط في تل أبيب.
كانت تركيز أسئلة عملاء الموساد على كيفية اختراق البلبيسي للقبة الحديدية وتعطيلها، بالإضافة إلى محاولة فهم طريقة إلغاء تفعيل الاختراقات التي نفذها في هواتف جنود وضباط إسرائيليين في وقت سابق.
وفي تطور آخر، قدم الموساد استفسارات حول وجود مهندسي حاسوب ومهندسي برمجيات، ومبرمجين آخرين يشاركون البلبيسي في الحرب الإلكترونية من إسطنبول.
بمجرد أن قامت الاستخبارات التركية بتحديد مكان وجود البلبيسي، أرسلت إحداثيات الموقع على الفور إلى السلطات الماليزية. نفذت السلطات الماليزية عملية بقوات خاصة ناجحة، أسفرت عن تحرير البلبيسي بسلام. تم إصدار أمر بالقبض على 11 شخصًا من المختطفين من قبل محكمة في كوالالمبور.
تم اعتقال عميل الموساد أسامة حجازي في الأسابيع الأخيرة، وتم نقل البلبيسي إلى تركيا ووضعه تحت حماية أمنية. يُعتبر هذا العمل الناجح واحدًا من أبرز العمليات في تاريخ الاستخبارات التركية، وفقًا لتصريحات مدير قسم الأخبار في صحيفة “صباح” التركية، عبد الرحمن شيمشك.
تفصل الصحيفة الحادثة باسم المهندس الفلسطيني عمر البلبيسي، المعروف في الأوساط الإعلامية التركية بـ “الداهية الغزي”. تشير “صباح” إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الموساد ناشطين وخبراء فلسطينيين في ماليزيا، حيث قتل مهندس الكهرباء الفلسطيني فادي البطش في عام 2018 على يد دراجين ناريين يعملان لحساب الموساد.