هل يقترب زيلينسكي من هزيمة واشنطن عاطفياً وفكرياً؟
في ديسمبر/أيلول الماضي، كان استقبال واشنطن للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمثابة حدثٍ استثنائي، حيث تم تكريمه بلقب “شخصية العام” من قبل مجلة تايم نظرًا لدوره القيادي في بلاده خلال الصراع مع روسيا. ولكن بعد مرور أقل من عام، تغيرت العلاقة بين واشنطن وزيلينسكي بشكل كبير، حيث أصبحت قضايا أوكرانيا جزءًا من التوترات السياسية في الولايات المتحدة، مما أدى إلى تراجع الترحيب والاحتفاء السابق بهذه الشخصية.
في ديسمبر/أيلول الماضي، شهدت واشنطن استقبالًا حافلًا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث أُستضيف بحفاوة وترحاب بمناسبة زيارته إلى الولايات المتحدة. تنافست وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى لإجراء مقابلات معه، وازدحم أعضاء الكونغرس للتقاط صور معه، وقدم الرئيس بايدن الترحيب في البيت الأبيض، وسمح له بإلقاء خطاب تاريخي أمام الكونغرس المشترك لمجلسي النواب والشيوخ.
وبعد مغادرته واشنطن، اختارت مجلة تايم الشهيرة زيلينسكي كشخصية العام، تقديرًا للدور القيادي الذي لعبه في بلاده على الصعيدين العسكري والسياسي والشعبي خلال النزاع مع روسيا. ووصفت المجلة زيلينسكي بأنه يمثل “روح أوكرانيا” في ظل الهجوم العسكري الروسي الواسع النطاق على بلاده.
هذا التكريم يعكس تقدير الرأي العام الأمريكي لزيلينسكي والتحول في النظرة نحوه من مجرد شخصية سياسية مختلفة بسبب خلفيته الكوميدية التلفزيونية إلى قائد ذو مكانة عالمية.
ومع مرور أقل من عام، شهدت العلاقة بين واشنطن والرئيس الأوكراني تغيرًا، حيث انحسر الحماس السابق للاحتفاء به، وأصبحت قضية أوكرانيا جزءًا من النقاشات والخلافات في الساحة السياسية الأمريكية المستقطبة، بدلاً من أن تكون مجرد نقطة تواصل إيجابي مع الرئيس زيلينسكي.
محاولات مستميتة من زيلينسكي
زيارة زيلينسكي إلى واشنطن جاءت بعد أن ألقى خطابا أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وشارك في جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي لبحث الأزمة الأوكرانية. تأتي هذه الزيارة في وقت حرج بالنسبة لأوكرانيا، حيث تسعى إلى جمع الدعم وتأمين تمويل إضافي لجهودها الهجومية ضد روسيا.
قبل لقائه بالرئيس جو بايدن في البيت الأبيض، زار زيلينسكي النصب التذكاري لضحايا هجمات 11 سبتمبر في مبنى البنتاغون، حيث أجرى لقاءات متعددة مع وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد أوستن وأعضاء كبار من فريقه.
اعتمد زيلينسكي استراتيجية جديدة في التواصل مع أعضاء الكونغرس. بدلاً من التحدث بلهجة حادة كما فعل في ديسمبر الماضي، تغيرت لهجته بناءً على الظروف الجديدة، وذلك بهدف الحصول على دعم مالي وعسكري إضافي. أكد زيلينسكي أمام جلسة الكونغرس خلال زيارته إلى واشنطن في ديسمبر 2022 أن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة “ليست صدقة، بل هي استثمار في الأمن العالمي”.
مع تغير الأوضاع والمزاج العام في واشنطن، أعرب زيلينسكي عن تقديره للمساعدات وأشار إلى التحديات التي تواجه بلاده، مؤكداً أن النجاح في الدفاع عن أوكرانيا يتطلب الوقت والتفاني، وذلك في ظل تراجع بعض الدعم السابق وزيادة التشكيك في قدرة أوكرانيا على مواجهة التحديات.
في وقت سابق أمس، قام زيلينسكي بلقاء أعضاء الكونغرس، حيث أبدى رأيه بأنه أجرى “حوارًا قويًا” مع أعضاء مجلس الشيوخ.
قبل وصول زيلينسكي إلى مبنى الكونغرس، رفض كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب، طلب الرئيس الأوكراني لإلقاء خطاب مشترك أمام الكونغرس. وقام مكارثي بتبرير موقفه بالقول: “ليس لدينا وقت، إذ قد ألقى بالفعل خطابًا في جلسة مشتركة”، مشيرًا بهذا إلى الخطاب الذي ألقاه زيلينسكي في ديسمبر الماضي.
تصاعد المعارضة الجمهورية
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس جو بايدن عن تخصيص 24 مليار دولار إضافية لأوكرانيا، ما يرفع إجمالي الدعم الأمريكي للبلاد إلى حوالي 113 مليار دولار، تشهد انقساماً حاداً في الساحة السياسية الأمريكية بشأن منح مساعدات إضافية لكييف.
تتضمن حزمة المساعدات الجديدة تأمين إمدادات سلاح وذخيرة حيوية مهمة، وذلك قبيل موسم الشتاء الذي يُتوقع أن يكون تحدًا كبيرًا من الناحية الإنسانية والعسكرية.
تنقسم الآراء في الأوساط السياسية الأمريكية حول تخصيص الأموال لأوكرانيا. يُعارِض العديد من الجمهوريين توجيه المزيد من الأموال ويُعتبرون أن الأفضل هو إنفاق تلك الأموال على القضايا الداخلية، بينما يتبنى معظم الديمقراطيين موقفًا مغايرًا، حيث يرون أن هذا الدعم يتماشى مع مصالح الأمن القومي الأمريكي.
الجمهوريون يقدمون ثلاثة حجج رئيسية ضد منح مساعدات إضافية لأوكرانيا. أولاً، يُشككون في أن هناك مراقبة كافية لكيفية استخدام هذه الأموال. ثانياً، يعتقدون أن هذا الإنفاق يُستنزف ميزانية الحكومة ويأخذ أموالاً من جيوب المواطنين الأمريكيين. وثالثًا، يُشيرون إلى أن التركيز على الأمن الأوروبي يُشتت الجهود عن التصدي للتهديدات الصينية.
بايدن وإدارته يؤكدون على أهمية التوقيع على حزمة المساعدات رغم التحفظات، وهذا الموضوع أصبح جزءًا من المناقشات حول ميزانية الحكومة. ويريد رئيس مجلس النواب الجمهوري أن تُعتبر المساعدات لأوكرانيا قانونًا مستقلاً بدلاً من ربطها بخطط الإنفاق الحكومي العامة، مما يجعلها أكثر سهولة في الاعتراض والرفض.
يعارض الجمهوريون المتشددين في الكونغرس بشدة منح أي مساعدات إضافية لأوكرانيا، ويُكررون خلال موسم الانتخابات أنه لا يجب إهدار الأموال على كييف وأن هذا الأمر يضر بجيوب الأميركيين الذين يجتهدون في تحقيق معيشتهم.
تراجع دعم أوكرانيا
وفي السياق نفسه، أظهر استطلاع أجرته شبكة “سي إن إن” على عينة من 1279 شخصًا، أن معظم الأمريكيين يعارضون فكرة منح الكونغرس إذنًا بتخصيص تمويل إضافي لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
يرى غالبية الأميركيين أن بلادهم قد قدمت بالفعل الدعم الكافي لأوكرانيا، إذ أبدى 55% من المشاركين في الاستطلاع رفضهم للسماح للكونغرس بتخصيص تمويل إضافي لدعم أوكرانيا، بينما دعم 45% منهم هذا الاقتراح.
وبالنسبة للمستوى الذي وصلت إليه الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وافق 51% من المشاركين على أن الولايات المتحدة قد قدمت ما يكفي من المساعدة، بينما قال 48% منهم إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد.
تشير هذه النتائج إلى انخفاض كبير في مستوى دعم الأمريكيين للدعم المقدم لأوكرانيا، حيث كانت هذه النسبة تقريبًا 62% خلال الأيام الأولى لحرب روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.