هل يقوي “طوفان الأقصى” التقارب الروسي الصيني بعد حرب أوكرانيا؟
بينما يظهر الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاؤه جاهزين لتقديم دعم قوي ومتواصل لإسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى” التي وقعت في 7 أكتوبر الحالي، يستقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بكين بمناسبة الذكرى العاشرة لمبادرة الحزام والطريق، المشروع الاستثماري الضخم الذي أطلقه الرئيس الصيني بهدف تعزيز نفوذ بلاده على الساحة الدولية من خلال ربط آسيا بالدول الأوروبية والأفريقية.
زيارة الرئيس الروسي إلى بكين تعتبر الثانية خلال فترة قصيرة لا تتجاوز عامين، حيث شارك في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، وذلك قبل بدء الحرب في أوكرانيا.
تميزت المحادثات التي أُجريت خلال هذه الزيارة بأنها خطوة جديدة نحو تعزيز العلاقات بين الزعيمين، واتسمت بالتوجه نحو بناء نظام عالمي يعتمد على التعددية ولا يسيطر عليه بشكل قائم الولايات المتحدة وحلفاؤها، وفقًا لتصريحاتهما.
بناءً على ما نجم عن حرب أوكرانيا وهجوم “حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية” على إسرائيل، يبدو أن الزعيمين الصيني والروسي أصبحا أكثر قربًا وتواصلًا، رغم التنافس الإقليمي والدولي السابق بينهما. بالنظر إلى مواقفهما في الحروب والأزمات الدولية، يبدو أنهما يتقاربان من جديد فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة.
من المتوقع أن يكون هذا الهجوم محورًا رئيسيًا خلال لقاء الزعيمين الصيني والروسي في المنتدى الذي يجتمع فيه ممثلون من أكثر من 140 دولة، والذي سيستمر لمدة يومين يومي الثلاثاء والأربعاء.
وقد بدأ الزعماء والمدعوون في الوصول إلى بكين لحضور هذا الاحتفال، ومن المتوقع أن يشهد الحدث نشاطًا دبلوماسيًا واسعًا.
أعلنت وزارة الخارجية الروسية يوم الاثنين أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد وصل إلى بكين قبل وصول الرئيس بوتين. هذه الزيارة هي أول رحلة خارجية للرئيس بوتين منذ إعلانه مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية بسبب حرب أوكرانيا.
كلاً من بكين وموسكو انتقدتا تصرفات إسرائيل ردًا على عملية “طوفان الأقصى”، ودعوا إلى وقف إطلاق النار، محاولين خلق موقف يظهر قيادتهما العالمية كبديل للهيمنة الأميركية المتحيزة لصالح إسرائيل. ذلك من شأنه تحقيق التوازن والمصالح في التعامل مع الأزمات الدولية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
تعتبر مبادرة الحزام والطريق من وجهة نظر الصين أحد عناصر النظام العالمي متعدد الأقطاب، وهي تلتزم بدعمها بالتوافق مع روسيا. وقد أصدرت الصين “كتاباً أبيضاً” حول المبادرة، مؤكدة أنها لا تستهدف التنمية في الصين فقط، بل في العالم بأسره، وذلك بهدف خلق عالم أفضل وأكثر اتصالاً.
تقارب وتعاون
قبيل وصوله إلى الصين، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعجابه وتقديره لنظيره الصيني شي جين بينغ في مقابلة مع الإذاعة الرسمية الصينية. ووصف بوتين شي بأنه زعيم عالمي حقيقي، مشيدًا بثباته وهدوئه وطابعه العملي والموثوق فيه. كما أشاد بنهج شي في التعامل مع الدول الأخرى، معتبرًا أنه يقدم للآخرين الفرص دون وصاية أو إكراه.
هذه المقابلة تأتي في إطار التقارب البين الزعيمين الروسي والصيني، حيث التقيا 40 مرة خلال العقد الماضي، بما في ذلك لقاءات منذ بدء الحرب في أوكرانيا. أصدر الزعيمان بيانًا مشتركًا خلال لقائهما السابق في بكين أعلنا فيه عن صداقة “بلا حدود” وأكدا تحالفهما القوي ضد الغرب.
تجدر الإشارة إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا وضعت العلاقات الروسية الصينية تحت ضغوط كبيرة، حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين بمساعدة روسيا اقتصاديًا وتزويدها بالتكنولوجيا الأساسية. على الجانب الاقتصادي، شهد العام الماضي نموًا كبيرًا في التبادل التجاري بين البلدين، ومن المتوقع أن يصل إلى 200 مليار دولار هذا العام.
من الناحية الأمنية، وسعت روسيا والصين تعاونهما بزيادة التدريبات العسكرية المشتركة والحوار السياسي وتعميق العلاقات الدبلوماسية. يتضمن هذا التعاون تعزيز التواصل المباشر بين الزعيمين وتعاونًا مكثفًا على مستوى مجلس الأمن.
من الجدير بالذكر أن هذه العلاقة تعززت خلال الفترة الأخيرة، حيث قام الرئيس الصيني بزيارة رسمية إلى موسكو في مارس الماضي، كأول رحلة خارجية مهمة له خلال ولايته الثالثة رئيسًا للصين.
موقف روسيا والصين من عدوان إسرائيل
أعلن الكرملين أن الرئيس بوتين أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي مؤخرًا استعداد روسيا للمساعدة في إنهاء المواجهة في المنطقة بوسائل سلمية. يأتي هذا في سياق قرار موسكو لطرح مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف إطلاق النار، دون ذكر اسم حماس. وكان المبعوث الروسي للأمم المتحدة قد قارن القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة بالحصار الوحشي الذي فرض على لينينغراد خلال الحرب العالمية.
بالنسبة للصين، أعلنت عزمها إرسال مبعوث إلى الشرق الأوسط لتشجيع المحادثات وأدانت “جميع الأعمال التي تلحق الضرر بالمدنيين”. ومع ذلك، لم توجه إدانتها بصراحة إلى حماس ولم تذكر الحركة بالاسم في بياناتها.
في مجمل الأمور، يظهر أن الغرب يتبنى رؤية إسرائيلية ويؤيدها، في حين تتبنى الصين وروسيا موقفًا مشتركًا ومختلفًا بشكل واضح. يثير هذا التفاوت تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحالف المشترك سيؤدي إلى تغييرات جوهرية على الساحة الدولية أم أنه مجرد حالة طارئة قد تتلاشى سريعًا.