صحة

هل يمكن للقاحات الجديدة القضاء على الملاريا في أفريقيا نهائيا؟

بعد عقود من البحث والتجارب، يجري الآن طرح لقاح جديد ضد الملاريا في غرب أفريقيا ضمن تجربة رائدة تهدف إلى القضاء على المرض الذي يعد ثاني أكبر مسبب لوفاة الأطفال في القارة.

في إطار هذه التجربة، جمع العاملون في القطاع الصحي بدولة الكاميرون، في 22 يناير/كانون الثاني 2023، الرضع والأطفال دون سن الخامسة لإعطائهم الجرعات الأولى من لقاح “آر تي إس، إس” (RTS,S)، الذي طورته شركة الأدوية العملاقة “غلاكسو سميث كلاين” ومنظمة “باث” (PATH) الصحية غير الربحية. ويستمد اسم اللقاح “آر تي إس، إس” من جينات الطفيلي الذي أُنتج منه اللقاح.

وأجازت منظمة الصحة العالمية في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي لقاحا ثانيا “آر21” (R21)، والذي من المرجح أن يُطرح في غضون أشهر. يُستخدم هذا اللقاح بالفعل في بعض البلدان الأفريقية، وكانت غانا أول من وافقت عليه العام الماضي.

تم تطوير اللقاحين كجزء من حملة عالمية للقضاء على الملاريا، وهو مرض يمكن أن يكون قاتلا للأطفال والنساء الحوامل. تحدث جميع الإصابات السنوية التي تزيد على 200 مليون حالة في العالم في الدول الأفريقية.

رغم أن البحث عن لقاح للملاريا مستمر منذ الثمانينيات وتعود التجارب عليه إلى عام 2004، إلا أن منظمة الصحة العالمية أوصت بلقاح “آر تي إس، إس” عام 2021 كجزء من عملية الحصول على شهادة تطعيم. وافقت المنظمة رسميا على استخدام اللقاح الذي تبلغ نسبة فعاليته 75%.

صُمم لقاح “موسكيريكس” (Mosquirix) لتنشيط الأجسام المضادة واستهداف المرحلة المعدية لطفيلي “بلاسموديوم فالسيباروم” (Plasmodium falciparum)، وهو الطفيل المسبب للملاريا الذي ينتشر عن طريق أنثى بعوضة الأنوفوليس عندما تلدغ الشخص.

أما لقاح “آر21” أو “ماتريكس-إم” (Matrix-M)، فهو مصلا ثانيا للملاريا حصل على موافقة منظمة الصحة العالمية في ديسمبر/كانون الأول 2023، وقد طورته جامعة أكسفورد وصنّعه معهد الهند للأمصال.

يمكن أن تسبب الملاريا الشديدة مضاعفات مثل فشل الأعضاء ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة. هي السبب الثاني لوفيات الأطفال في أفريقيا بعد أمراض الجهاز التنفسي، حيث يموت ما يقرب من نصف مليون طفل بسبب الملاريا في البلدان الأفريقية كل عام. الأطفال أقل عرضة لبناء مناعة ضد المرض، كما أن النساء الحوامل في الثلث الثاني والثالث من الحمل معرضات بشكل خاص للإصابة بالملاريا بسبب انخفاض مستويات مناعتهن.

تساهم عدة عوامل في تعرض البلدان الأفريقية بشدة للإصابة بالملاريا، بما في ذلك أنماط الطقس وسوء مرافق الصرف الصحي والإصحاح البيئي، وضعف أنظمة الرعاية الصحية العامة. تزدهر الملاريا في المناطق الاستوائية، حيث تسمح الظروف المناخية لبعوضة أنثى الأنوفوليس بإنتاج طفيليات الملاريا بنجاح في لعابها، والتي تنقلها إلى البشر عندما تلسعهم.

حتى الآن، نجحت 3 دول أفريقية في القضاء على الملاريا: موريشيوس (1973)، الجزائر (2019)، والرأس الأخضر، التي اعتمدتها منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي كمنطقة خالية من الملاريا بعد الإبلاغ عن عدم انتقال العدوى لمدة 3 سنوات متتالية.

القضاء على الملاريا في جميع أنحاء العالم قد يكون ممكنا، لكن ليس باللقاحات وحدها. يتوقع الملياردير الأميركي بيل غيتس، الذي خصص مليارات الدولارات لأبحاث الملاريا من خلال مؤسسة بيل وميليندا غيتس، إمكانية القضاء على الملاريا بحلول عام 2040، استنادا إلى أهداف استئصال المرض على المستوى القُطري.

صرحت كريستال بيرونغي، عالمة الحشرات في منظمة “تارغيت ملاريا”، بأن اللقاحات الجديدة تعد “إنجازا بالغ الأهمية” وستوفر دفعة كبيرة للحملة العالمية للقضاء على الملاريا، لكنها لن تكون فعالة بمفردها. لا توجد أداة واحدة يمكن أن تمثل حلا سحريا ضد الملاريا، ولا يزال من الضروري استخدام الأدوات الموجودة مثل بخاخات المبيدات الحشرية، والناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية طويلة الأمد، والأدوية المضادة للملاريا، فضلا عن مواصلة تطوير أدوات جديدة مثل البعوض المعدل وراثيا ومحرك الجينات لمكافحة الملاريا.

محرك الجينات، المعروف أيضا بالإجبار الجيني، هو تقنية في الهندسة الوراثية تسمح بنقل جين معين بطريقة فعالة على نحو تفضيلي إلى الجيل الموالي من خلال عملية التكاثر الجنسي.

زر الذهاب إلى الأعلى