هل ينوي مستوطنو الضفة الغربية إقامة كيان ذاتي خاص بهم؟
“الحرب الغير معلنة في الضفة والقدس: الجبهة الثانية للصراع بعد غزة”
على الرغم من أن غزة تظل الموقع الرئيسي الذي يجذب انتباه الإعلام العالمي بحرارة خلال الحرب الحالية، إلا أن هناك صراعًا متوازيًا يتكون في الوقت نفسه يرتبط بشكل جوهري بالأحداث في غزة، وهو الصراع الذي يندلع في الضفة الغربية والقدس.
في هذا السياق، يشير الانتباه إلى الحرب التي يشنها المستوطنون على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس. يقوم هؤلاء المستوطنون باستغلال التعاطف السياسي الغربي مع حكومة الاحتلال ويسعون لتحقيق تأثير جديد في المنطقة بعد تصاعد الصراع في غزة، أو بناءً على سيناريوهات مختلفة يضعها بعض ساسة الاحتلال.
تتأسس هذه السيناريوهات على فكرة تحقيق النصر الإسرائيلي في حرب غزة، وتفكيك حركة حماس، وتهجير سكان القطاع إلى سيناء، وهو الأمر الذي توعد به عدد كبير من ساسة إسرائيل في بداية الحرب.
على الرغم من أن فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء في غزة وإلى الأردن في الضفة قد تظهر سطحيًا من الناحية الواقعية، إلا أنه ينبغي التنويه إلى أن التيار اليميني المتشدد الذي يحكم إسرائيل اليوم لا يُعتبر بالغالب تيارًا علمانيًا، بل يحتوي على جزء كبير ينتمي إلى التيار الديني الخلاصي.
ويشارك هذا التيار بحماس في هذه المعركة، حيث يعتبرها مقدمة لمعركة نهاية العالم التي ستجلب المسيح المخلص، وهو الرأي الذي يتبناه العديد من أتباع هذا التيار ويشاركون بنشاط في القتال على جبهة غزة.
تُظهر مؤسسات هذا التيار، مثل منظمة “بيدينو” المتطرفة على سبيل المثال، اهتمامًا مستمرًا بنشر صورهم بهدف تأكيد وجودهم في الجبهة.
على الرغم من مشاركة أتباع هذا التيار بفاعلية في الحرب في غزة، إلا أن تركيزهم الرئيسي يتجه، في الحقيقة، نحو الضفة الغربية، وعليه فإن مخططاتهم الاستراتيجية الكبرى تتمحور حول هذه المنطقة.
“التطورات في إسرائيل: تصاعد نشاط المستوطنين ومخاوف من سيناريوهات التهجير”
تتجه مؤسسات التيار الديني المتطرف في إسرائيل، بما في ذلك منظمة “بيدينو”، نحو زيادة تكريس وجودها من خلال نشر صورها بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف التأكيد على مشاركتها الفعّالة في الأحداث الراهنة.
وعلى الرغم من مشاركة أفراد هذا التيار في الحرب الجارية في غزة، يتركز اهتمامهم الأكبر في الواقع على الضفة الغربية، حيث يتبنون خططًا كبيرة لتغيير الوضع في المنطقة.
تظهر تطورات جديدة، إذ يبدو أن أفراد هذه الجماعات يتجهون نحو خطوة جديدة، وهي دعوات لتشجيع تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن.
ظهرت مؤخرًا مجموعة مجهولة تنشر رسائل في الضفة الغربية، وإعلانات ممولة على منصة فيسبوك، تدعو الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الهجرة إلى الأردن، مُعلنة ذلك كحلاً أفضل للجميع.
يعتبر هذا العمل خطيرًا، حيث يهدف إلى استغلال دعوات الحكومة الإسرائيلية لتهجير سكان غزة إلى سيناء، بهدف تعميم الفكرة وتحقيق تأثير نفسي على المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية، خاصة خلال الحرب الحالية، حيث يُحاول البعض تفادي المشاركة القوية في النزاع خوفًا من تكرار مصير سكان غزة.
يتبنى القائمون على هذه الدعوات، الذين ينتمون على ما يبدو إلى جماعات دينية يمينية متطرفة حديثة التكوين، أساليب جديدة في العمل. يظهر أن بعض أفراد هذه الجماعات نشطون في جماعات المعبد المتطرفة في المسجد الأقصى في القدس.
تُعنى هذه الجماعة، بالتعاون مع منظمة “بيدينو”، بنشر صور الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة بالقرب من المسجد الأقصى، لتحريض المستوطنين الذين يقتحمونه يوميًا. يُعتبر هؤلاء المستوطنون، الذين بلغ عددهم نحو 4000 حتى الآن، محتملين لاتخاذ إجراءات انتقامية داخل المسجد الأقصى، مستهدفين الحراس وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، مما يثير التوتر داخل المسجد.
يظهر أن هذه الجماعات تسعى إلى إخراج دائرة الأوقاف الإسلامية عن القانون الإسرائيلي، وتحاول منعها من العمل داخل المسجد الأقصى. كما يُعتقد أن هذه الجماعة، بالتعاون مع “بيدينو”، تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية وتأثير أكبر في المنطقة.
باعتبارها جزءًا من سيناريوهات أوسع، يركز هؤلاء الفراد على تغيير الواقع في الضفة الغربية، وقد يتجهون نحو فكرة إقامة كيان خاص بهم في المنطقة. إيتمار بن غفير يسلح المستوطنين في الضفة الغربية، وتشير بعض التقديرات إلى أنهم قد يُشكلون مليشيا مستقلة لتنفيذ أهدافهم في المنطقة.
الملفت هو أن نتنياهو اشترط في محادثات تشكيل الحكومة الأولى السماح له بتشكيل جهاز أمني مسلح خاص بمستوطني الضفة الغربية باسم “الحرس الوطني”، مما يُظهر التحضير لتشكيل جيش مستقل في تلك المنطقة.
في النهاية، يبدو أن هذه التطورات تشير إلى استعداد جماعات المستوطنين المتطرفة للعب دور أكبر في الأحداث السياسية والأمنية في الضفة الغربية، مما قد يتسبب في تصاعد التوترات وتغييرات كبيرة في الواقع السياسي في المنطقة.
وبالرغم من أن بن غفير يشتهر برعاونته الشديدة وخطاباته الشعبوية المثيرة للسخرية حتى داخل إسرائيل، يظهر أن شخصًا مثل سموتريتش يمتلك رؤية واضحة حول كيفية تنفيذ عملية التهجير بشكل أعمق وأخطر من بن غفير، مما يعزز مستوى خطورة هذه المخططات.
إلى جانب ذلك، تُظهر سلبية التعاطي من قِبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع هجمات المستوطنين ودعوات التهجير إلى الأردن استفزاز سموتريتش للمضي قدمًا في محاولة تنفيذ هذا المخطط.
يجب التنبيه هنا إلى أن أدوات تنفيذ مثل هذا المخطط متاحة بالفعل، حيث يجد بن غفير الأموال اللازمة لتسليح المستوطنين في الضفة من خلال دعم سموتريتش ووزارة المالية التي يتحكم فيها.
وعلى الرغم من أن احتمال نجاح هذه المخططات في الضفة والقدس على يد جماعات اليمين المتطرفة لا يزال موضوعًا غير مؤكد، إلا أن التصوّر المجرد لمحاولتها تطبيق رؤيتها بالقوة في تلك المناطق يعني احتمالًا لانفجار الأوضاع بشكل غير مسبوق في المنطقة.
لذا، ينبغي عدم استبعاد هذا السيناريو، إذ لا نتعامل هنا مع شخصيات متوازنة، بل مع شخصيات متحفِّزة دينيًّا نحو اصطدام مدمر. ولذا، يجب علينا أن نكون حذرين وندرس كل جوانب الوضع بعناية قبل فوات الأوان.