كيف أصبحت الصين رائدة في قطاع السيارات الكهربائية؟
منذ عام 2009، اتخذت الصين إجراءات حازمة لتعزيز نمو صناعة السيارات الكهربائية، حيث أُنشئت بيئة تحفيزية تتضمن المنح المباشرة والدعم غير المباشر لتشجيع تأسيس شركات وطنية رائدة في هذا القطاع.
وفي غياب انتشار تكنولوجيا السيارات الكهربائية بين الجمهور، ركزت السلطات المحلية على تحديث أساطيل سيارات الأجرة والحافلات بالمركبات الكهربائية. تشجيعًا من الحكومة المركزية، قُدِّمت منح تصل إلى 60 ألف يوان لكل سيارة و100 ألف يوان لكل حافلة. كانت شركة “بايد” الصينية الرائدة في هذا المجال تحقق أرباحًا كبيرة من هذه الإستراتيجية.
وبحسب تقرير نُشِرَ في صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن الصين ردت بسرعة على إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بدء تحقيق في دعم الصين لصناعة السيارات الكهربائية. وفي 14 سبتمبر/أيلول، أكدت وزارة التجارة الصينية أن هذا التحقيق يمثل “تصعيدًا واضحًا للحماية التجارية” وسيؤثر سلبًا على صناعة السيارات وسلسلة التوريد على الصعيدين العالمي والأوروبي.
ويأتي هذا التحقيق ردًا على النجاح البارز للصين في صناعة السيارات، حيث استوردت البلاد ضعف عدد السيارات التي صدرتها من حيث القيمة في عام 2021، وفي النصف الأول من عام 2023، تفوقت الصناعة الصينية على اليابان لتحتل المرتبة الأولى عالميًا في صدرات السيارات.
شركات محلية رائدة
وفقًا لصحيفة “لوموند”، في عام 2015، قامت الصين بدعم قطاع البطاريات عن طريق فرض الالتزام على الشركات المصنعة بتجهيز أنفسها بالبطاريات الصينية لتحقيق استفادة من المساعدات الشرائية. وكان الترويج للشركات المحلية الرائدة مثل “بايد” وشركة “كاتل” كافيًا للإفادة من هذه الإجراءات، حيث أطاحت “كاتل” بشركة باناسونيك اليابانية في عام 2020 لتصبح الشركة الأولى عالميًا في قطاع البطاريات.
ومن أجل تشجيع المستهلكين على اختيار السيارات الكهربائية بدلاً من السيارات التقليدية، قامت بعض المدن بتنفيذ آليات تشجيع إضافية. في عام 2016، قدمت مدينة شنغهاي امتيازًا للسيارات الكهربائية من خلال توفير لوحات ترخيص خضراء تخضع لنظام مختلف عن اللوحات المستخدمة للمركبات التقليدية. وفي العام التالي، انضمت مدن أخرى إلى هذه المبادرة.
في عام 2019، قررت الصين فرض حصص إلزامية على السيارات الكهربائية في إنتاج الشركات المصنعة، سواء كانت صينية أو أجنبية. وعلى الرغم من أن الشركات التي تتجاوز هذه الحصص تحظى بمكافآت، إلا أن الشركات التي تفشل في تحقيق ذلك تتعرض لعقوبات. يُعتبر هذا الإجراء وسيلة لنقل تكلفة الدعم المالي من الحكومة إلى الشركات المصنعة، وفقًا لتقرير الصحيفة الفرنسية.
إستراتيجية طويلة المدى
في بعض الحالات، يعتبر تقدير التكلفة المالية لبعض هذه المساعدات أمرًا صعبًا، حسبما تشير صحيفة “لوموند”. فغالبًا ما تشمل هذه المساعدات المحلية منح الشراء والدعم الموجه للبحث، إضافة إلى المساهمات الرأسمالية والمزايا العينية، مثل توفير الأراضي أو الكهرباء بأسعار منخفضة، وتوفير خطوط ائتمان بفوائد مخفضة من قبل البنوك المحلية، وما إلى ذلك.
كانت الصين الرائدة في استثماراتها الكثيفة في قطاع الكهرباء في زمن كانت فيه توجد شكوك حول مستقبل هذا القطاع، وذلك في إطار اعتماد البلاد على واردات النفط التي شهدت ارتفاعًا في نهاية التسعينيات.
في مجال السيارات الكهربائية، استشرت الصين فرصة استثمارها قبل نحو 20 عامًا، حيث امتلكت السيطرة أيضًا على سلاسل الإنتاج لمكونات البطاريات. وتشير الصحيفة إلى أن هذه السياسة طويلة الأمد بدأت تؤتي ثمارها اليوم.
وفي نهاية عام 2022، تفوقت شركة “بايد” على شركة “فولكس فاغن” لتحتل المركز الأول كأكبر بائع للسيارات الفردية في الصين. وفي العام الحالي، بيعت العلامة التجارية بالفعل 1.4 مليون سيارة، جميعها كهربائية، متفوقة بذلك على شركة “تسلا” بنحو نصف مليون سيارة.