هل تنجح أوربا في جعل موريتانيا وطناً بديلاً للمهاجرين
بعد جهد مستمر لسنوات في إقناع الدول المغاربية بالتصدي للهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، يفرض الاتحاد الأوروبي الآن وزنه على موريتانيا، التي تشهد تدفقًا مستمرًا للمهاجرين واللاجئين نحوها.
في حين كانت معظم هذه الدول تتجاهل الضغوط الأوروبية وترفض أي تدابير لإعادة اللاجئين غير الشرعيين إليها، يبدو أن موريتانيا قد بدأت -في الفترة الأخيرة- في التخلي عن تحفظها وبدأت في التفاوض مع القارة العجوز بشأن قضية المهاجرين التي تشكل مصدر قلق لها.
خلال زيارتهم الأخيرة إلى موريتانيا، أكد كل من رئيسة الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، ورئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، أمام الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، أن الاتحاد وإسبانيا سيخصصان أكثر من 500 مليون يورو لنواكشوط لتعزيز قدراتها في مجال التنمية الاقتصادية ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومساعدة اللاجئين الموجودين داخل حدود البلاد.
أثارت هذه الزيارة مخاوف أمنية واجتماعية قديمة لدى موريتانيا، التي تتميز بتنوع عرقي يعكسه موقعها الجغرافي بين المنطقة المغاربية وغرب أفريقيا وجنوب الصحراء.
قلق وجدل
زيارة المسؤولين الأوروبيين أثارت جدلا واسعا بين الموريتانيين، حيث لم يرتاحوا لظاهرة الهجرة غير النظامية التي تشكل تحديا كبيرا لبلدهم الهش، ولا لفكرة التوطين والاندماج التي قد تؤدي إلى تغييرات ديمغرافية محتملة.
المجتمع الموريتاني يتكون من فئتين ثقافيتين: فئة البيضان التي تشمل العرب والبربر الذين يتحدثون بالحسانية وتمثل الغالبية السياسية، وفئة الزنوج التي تمثل أكثر من 20% من السكان.
خلال السنوات العشر الأخيرة، شهدت موريتانيا تدفقا متزايدا للمهاجرين واللاجئين الذين بلغ عددهم حاليا حوالي 140 ألف شخص بشكل قانوني، بالإضافة إلى مئات آلاف المهاجرين غير النظاميين. استخدمت السلطات القوة لضبط التظاهرات والأعمال الشغبية، وأعادت العديد من المهاجرين إلى بلادهم.
تحدث الأمين العام لوزارة الداخلية واللامركزية عن استعداد موريتانيا لضبط تدفق المهاجرين ومحاربة الهجرة غير النظامية، وأكد على أنها لن تكون وجهة بديلة للمهاجرين، وهو ما دعمته الاتحاد الأوروبي.
اتفاقيات مبهمة
يعبر المحلل السياسي والناشط المدني ضد الهجرة، محمد خالد أحمد سالم أتويف، عن قلقه من تداعيات الاتفاقيات المبهمة والفضفاضة مع الاتحاد الأوروبي، التي قد تجعل من موريتانيا محطة لمئات الآلاف، وربما الملايين، من المهاجرين الأفارقة الذين يشكلون همجية السلطات الأوروبية.
يشير أتويف إلى أن موريتانيا، التي تعاني من هشاشة في بنيتها الاقتصادية والأمنية والخدماتية والصحية، قد لا تتحمل عبء الهجرة غير الشرعية الكبير من الوافدين والعائدين من عبر البحار.
ويعتبر أن مسعى الاندماج المهاجرين قد يؤدي على المدى القريب إلى فشل الخدمات العمومية أو تعطل الاقتصاد، مما يهدد استقرار البلد، وعلى المدى البعيد، قد يؤدي إلى تغير ديمغرافي في التركيبة السكانية.
من جانبه، يعبر التاجر بالسوق المركزي في نواكشوط، محمد أحمد، عن مخاوفه من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتوطين المهاجرين الأفارقة وإدماجهم، حيث يؤكد أن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ويحذر أحمد سالم من تفريط موريتانيا في استقرارها الملاحظ، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى تحولها إلى بؤرة للاهتمام الأوروبي والإسباني، ويدعو إلى ضرورة مراعاة حقوق المهاجرين في الوقت نفسه.
من جانبه، يعتبر الناشط المدني المختار حمادي أن الدولة يجب أن تكون يقظة وتكثف من جهودها في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، مع ضمان حقوق المهاجرين.
اختلالات قيمية
يلاحظ الباحث في علم الاجتماع، جامعة نواكشوط، باب سيد أحمد أعل، أن هناك انحرافات في القيم داخل المجتمع، قد تكون هي السبب وراء تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ومن هذه الانحرافات:
- تعتبر فئة البيضان، التي تحتل مكانة مهمة سياسيًا واقتصاديًا، العمل ليس من القيم المقدسة بالنسبة لها، بل ترفضه في ثقافتها، مما يفتح المجال للمهاجرين لتلبية الحاجة الملحة للقوى العاملة.
- تسعى هذه الفئة إلى الثراء الفاحش بدون تحفظ، مما يزيد من المخاطر الاجتماعية، والهجرة إلى الولايات المتحدة والبحث عن الثروات تعتبر نتيجة طبيعية لتلك القيم المتماسكة.
- تعاني موريتانيا من محيط غير مستقر يتسم بالتوتر السياسي والصراعات الداخلية، وضعف الأنشطة الاقتصادية، مما يجعلها وجهة مفضلة للشعوب المتألمة من تلك الدول، التي تجد فيها فرصة لتحسين أوضاعها نتيجة لتراجع الاهتمام بالإنتاج والعمل اليدوي.
- يعتقد الباحث أن التحدي الآن هو كيف يمكن لموريتانيا الاستفادة اقتصاديًا كدولة عابرة أو مضيفة من تدفق النازحين والمهاجرين الكبير، بغض النظر عن مستوياتهم وأسباب هجرتهم، طالما أن هناك حاجة ملحة لهم وتشجيع للعمل اليدوي والإنتاج في المجتمع.