الأخبار العالمية

طوفان الأقصى وهدهد حزب الله ونظرية الردع الإسرائيلية

أعاد حزب الله نشر مشاهد استطلاع جوي لمناطق شمال إسرائيل وميناء حيفا تحت عنوان “هذا ما رجع به الهدهد”، مما أعاد تسليط الضوء على سؤال الردع الذي رافق إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 واعتباره ركيزة أساسية في مفهومها الأمني. تقوم العقيدة الأمنية الإسرائيلية على ثلاثة عناصر رئيسية: الردع، الإنذار، والحسم.

يعتمد الأمن الإسرائيلي على تفوق جيشها النوعي من حيث الأسلحة، المعدات، التنظيم، التدريب، القيادة، والمعنويات، ليكون الجيش قادراً على الردع والحسم في الوقت ذاته.

ويرى العديد من المحللين أن ما بثه حزب الله يحمل رسائل أمنية، سياسية، عسكرية، واقتصادية، ويكشف تصورات الحزب لشكل الحرب إن وقعت وكيف سيتدرج فيها. المشاهد التي نشرها حزب الله تظهر نواياه التي يمكن أن تردع إسرائيل إلى حد بعيد، معتبرين هذا الحدث تحولاً نوعياً في المواجهة بين الطرفين.

أكد ليئور بن آري في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن الغرض من النشر هو الردع والإيحاء بأن حزب الله يمكنه إلحاق أضرار عسكرية واقتصادية بإسرائيل إذا ما تجرأت على مهاجمة لبنان. ووفقاً لمصادر مقربة من حزب الله للجزيرة، فإن بنك الأهداف بات واضحاً وجاهزاً، والمشاهد التي نشرت هي جزء يسير مما يمتلكه الحزب من مقاطع وصور.

كما أن هذه المشاهد تبرز فشل تقييم هرتسي هليفي، رئيس الأركان الإسرائيلي، الذي قدمه في مؤتمر هرتسيليا في مايو/أيار 2023 بعنوان “الإستراتيجية والتخطيط في عصر عدم الوضوح”. فالحزب اللبناني لم يعد مردوعاً عن حرب شاملة كما قال هليفي.

منذ معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تآكلت نظرية الردع الإسرائيلية، حيث تسعى قوى المقاومة في قطاع غزة وحزب الله في لبنان إلى خلق قوة ردع ضد إسرائيل. تدهورت قوة الردع الإسرائيلية منذ حرب 2006 على جنوب لبنان، حيث لم تتمكن إسرائيل من فرض معادلة جديدة في صراعها مع حزب الله.

يعتقد المحلل السياسي محمود محارب أن تعزيز قدرة الردع الإسرائيلي يتطلب إنهاء كل مواجهة عسكرية بانتصار سريع وملموس وبأقل الخسائر، وهو ما لم يتحقق في حرب 2006. هجمات حزب الله الدقيقة على المواقع العسكرية الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى، دفعت زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد للقول إن “ما يحترق ليس الشمال فقط، بل الردع الإسرائيلي والشرف الإسرائيلي”.

معركة طوفان الأقصى فرضت معادلات جديدة على إسرائيل، وأظهرت أن الردع الذي تسعى إليه لم يعد قائماً. وأثبتت الهجمات الإيرانية بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي فشل إسرائيل والولايات المتحدة في خلق ردع ضد إيران، مما أظهر أن ميزان الرعب لم يكن متوازناً تماماً ضد حزب الله، وهو ما تخشاه إسرائيل.

تدهور مفهوم الردع الإسرائيلي على الجبهة الفلسطينية منذ اقتحام مخيم جنين في يوليو/تموز 2023، إذ اعتبر المحلل الفلسطيني خليل شاهين أن العملية الإسرائيلية كانت فاشلة عسكرياً، حيث انسحبت القوات تحت النار في مشهد أشبه بالهروب. وقد أشار رئيس الأركان الإسرائيلي إلى أن ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة في الضفة الغربية يعزى إلى ظهور “جيل شاب غير مردوع”.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جاءت معركة طوفان الأقصى لتشكل ضربة مؤلمة لنظرية الردع الإسرائيلية وكافة النظريات الأمنية التي سعت إسرائيل إلى صياغتها منذ إنشائها قبل أكثر من 70 عاماً.

ما يجري الآن في غزة، وتكبيد المقاومة الفلسطينية جيشَ الاحتلال خسائر كبرى غير متوقعة، والقصف المتبادل بين حزب الله وجيش الاحتلال، يجعل من الصعب القول إن إسرائيل استطاعت استعادة قوة الردع في مواجهة حركات المقاومة. ووفق اللواء تامير هايمان، المسؤول السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، فإن استعادة الردع “ليست هدفاً عملياً لأنه غير قابل للقياس”.

زر الذهاب إلى الأعلى