تحديات الأمن والسياسة في منطقة الساحل: بوركينا فاسو ودورها في مواجهة الأزمات الإقليمية
شهدت منطقة الساحل مؤخراً تحولات سياسية كبيرة نتيجة الانقلابات العسكرية التي اجتاحت دول تحالف الساحل الثلاث. وقد تميزت هذه الانقلابات بدعم شعبي للأنظمة العسكرية، في ظل ضعف استجابة الحكومات السابقة للتحديات الأمنية المتزايدة. الوضع الأمني في بوركينا فاسو أصبح مقلقاً بشكل خاص بعد تصريح الكابتن إبراهيم تراوري عن إحباطه خطة لزعزعة استقرار البلاد، وقد سبق أن أفشل محاولة انقلابية أخرى في يناير/كانون الثاني 2024.
في هذا السياق، تم تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي لمواجهة الانفلات الأمني المتزايد في هذه الدول، التي تشعر بقلق متزايد تجاه دول الجوار، متهمة إياها بالسعي لزعزعة استقرارها خدمة لأجندات غربية.
تتناول هذه المقالة سياسات المجلس العسكري في بوركينا فاسو للحد من النفوذ الأمني الفرنسي بعد القطيعة، وتسلط الضوء على المخاطر الأمنية التي تتهدد المنطقة، وتستعرض مدى قدرة بوركينا فاسو على مواجهة هذه التحديات في ظل وجود أجهزة الاستخبارات الغربية وانتشار الجماعات المسلحة في أجزاء من أراضيها.
مخاوف تجاه دول الجوار
الظروف الانقلابية التي أوصلت الكابتن تراوري إلى السلطة أثرت بعمق على المشهد السياسي والأمني في بوركينا فاسو، مما جعل السلطة هدفاً للقادة العسكريين، بناءً على تجارب الانقلابات السابقة في البلاد. وقد زادت المخاوف بعد رفض تراوري إنهاء الفترة الانتقالية، متذرعاً بعدم أولوية الانتخابات في يوليو/تموز 2024، مما يشير إلى نيته الاحتفاظ بالسلطة. هذا قد يدفع القوى الخارجية للتدخل لحماية مصالحها، مستخدمةً الأمن كذريعة لتنشيط تحركاتها السياسية عبر قواعدها العسكرية في دول الجوار.
تصاعدت مخاوف بوركينا فاسو تجاه كوت ديفوار وبنين، حيث هاجم الكابتن تراوري جيرانه من كوت ديفوار وبنين في 11 يوليو/تموز، متهمًا إياهم بالسعي لزعزعة استقرار بلاده. وتسببت هذه الاتهامات في توتر دبلوماسي مع الدولتين، اللتين نفتا تلك التهم.
هذه الاتهامات تجددت بعد تصريح تراوري في أغسطس/آب 2024 عن إفشاله خطة لزعزعة استقرار بوركينا فاسو. يشير هذا إلى خطورة الوضع الأمني في البلاد، وربما يكون هذا النوع من العمليات خطوة استباقية لتصفية الجنود العسكريين الذين يعتبرهم تراوري تهديدًا لسلطته، متهمًا إياهم بالتآمر ضده بالتواطؤ مع الأجهزة الخارجية.
“قوات كونفدرالية الساحل” وتحديات المرحلة
تعزيز الوحدة السياسية والأمنية بين دول الساحل الثلاث يمكن أن يساعد في حماية بوركينا فاسو من الاضطراب الأمني المتكرر. وقد تم إنشاء قوة دفاعية مشتركة في عام 2023 لتنسيق جهود مكافحة الإرهاب ووضع حد لعمليات زعزعة استقرار المجالس العسكرية من أي تدخل خارجي. لكن بوركينا فاسو تحتاج إلى وقت كافٍ للتعافي من الأزمة الأمنية، نظرًا لحجم التحديات التي تواجهها القوة الدفاعية، وأبرزها:
- التدخل الإقليمي: قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات المحلية مع دول الجوار، مما يتطلب دراسة ردود أفعال دول الإيكواس لتجنب أي اضطراب أمني.
- التدخل الأجنبي: القطيعة بين فرنسا وبوركينا فاسو قد تؤدي إلى محاولة فرنسا تأجيج صراع أمني داخل السلطة العسكرية عبر شركائها الدوليين.
- التهديدات الإرهابية: انتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة يشكل تهديداً للأمن، ويعد مصدراً محتملاً لحدوث انقلاب عسكري.
- الضغوط الاقتصادية: التي قد تؤثر سلباً على القوة العسكرية المشتركة وتعرقل أهدافها الدفاعية.
في هذه المرحلة المضطربة، تحتاج القوة الدفاعية إلى تعزيز التشغيل البيني بين جيوش الاتحاد الكونفدرالي الثلاثي، وتنفيذ اتفاقيات الدفاع المتبادل للتصدي لجميع المخاطر الأمنية. هذا الانشقاق بين دول غرب أفريقيا يمثل حالة أمنية معقدة ستؤثر سلباً على استقرار الحكومات ما لم تجد ركائز قانونية وسياسية للتعاون.
المجلس العسكري ومقاومة النفوذ الفرنسي
يواجه المجلس العسكري في بوركينا فاسو أزمات أمنية نتيجة القطيعة مع فرنسا والابتعاد عن وصايتها في المشاريع الإقليمية والدولية. وقد اتخذ المجلس سياسات لمقاومة النفوذ الفرنسي، بما في ذلك محاربة وجودها العسكري وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، إلى جانب معاقبة الجنود المتواطئين. وقد تلا ذلك إفشال عدة خطط لزعزعة استقرار المجلس ومكافحة الجماعات الإرهابية التي يعتبرها مصدر الاضطراب الأمني. واعتمد المجلس على الشراكة الاستراتيجية مع روسيا لمواجهة النفوذ الفرنسي.
ومع ذلك، فإن تكرار محاولات زعزعة الاستقرار يشير إلى ضعف التماسك العسكري بين الجنود وقوة الانخراط الأمني الأجنبي. الأمر الذي يتطلب حكمة للتغلب على الأجهزة الاستخباراتية المضرة بالأمن العام، مع أخذ الحيطة من أي صدام دولي قد ينتج عن التأثير السلبي للوصاية الروسية.
تحتل منطقة الساحل موقعاً مهماً في غرب أفريقيا، ومن شأن الكونفدرالية أن تعزز ثقلها السياسي والاقتصادي على الساحتين الإقليمية والدولية. ومع ذلك، تواجه المبادرة الدفاعية للكونفدرالية تحديات كبيرة نتيجة انعدام الاستقرار، مما أدى إلى محاولات عديدة لزعزعة استقرار بوركينا فاسو. في الختام، قد لا يمتلك المجلس العسكري القدرة الكافية لمواجهة تحديات المرحلة ما لم يسعَ للحصول على شرعية سياسية عبر الاستفتاء الشعبي، وإعادة الهيبة الدستورية بإشراك المدنيين، وتشديد المراقبة على الجيش لمنع التهديدات الأمنية، وإلا، فسيظل المجلس مهدداً دائماً بخطط التقويض من الأعداء لإسقاط نظامه.