تكنولوجيا

تعريب الألعاب: مسار طويل من الجهود الفردية إلى الدعم الرسمي

شهدت ساحة الألعاب في السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من الشركات العالمية لتعريب ألعابها بشكل كامل، حيث شمل التعريب النصوص داخل اللعبة من واجهات تحكم وأوامر، إضافة إلى دبلجة الأصوات بشكل مباشر. هذا التوجه سهل على اللاعبين العرب التفاعل مع هذه الألعاب والانغماس فيها بشكل أكبر.

ورغم الانتشار الواسع لفكرة تعريب الألعاب، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها نسخ معربة. فالشركات المطورة للألعاب لم تكن الوحيدة التي سعت لتقديم نسخ معربة، بل كان هناك العديد من الفرق المستقلة التي عملت على تقديم نسخ معربة من الألعاب العالمية.

إرث طويل مع التقنية

يعود ارتباط المجتمع العربي بالتكنولوجيا والحواسيب إلى تسعينيات القرن الماضي، ويُعد مثال شركة “صخر” وتطوير “مجموعة برامج الأسرة” خير دليل على ذلك. حيث قدمت هذه المجموعة برامج وألعابًا معربة، مثل نسخة لعبة “برينس أوف بيرشيا” (Prince of Persia) التي طرحت في 1989، مما ساهم في انتشار استخدام اللغة العربية في عالم الألعاب.

رغم النجاح الكبير لهذه المبادرات، إلا أن مع مرور الزمن، ومع تطور الإنترنت والتقنيات الحديثة، بدأت جهود تعريب الألعاب تتراجع بشكل تدريجي، قبل أن تعود مجددًا في العقدين الأخيرين.

الجهود غير الرسمية: بداية الترجمة الفردية

قبل أن تبدأ الشركات الكبرى في تعريب ألعابها بشكل رسمي، كانت فرق مستقلة تعمل بجهود فردية لترجمة الألعاب إلى اللغة العربية. حيث كانت هذه الفرق توفر ملفات الترجمة التي يمكن دمجها مع نسخ الألعاب الأصلية، إلا أن هذه العملية كانت محدودة ولا تشمل سوى ألعاب الحاسوب، نظرًا لصعوبة التعديل في أنظمة منصات الألعاب مثل “بلاي ستيشن” و”إكس بوكس”.

من أبرز الفرق التي شاركت في هذا المجال كان فريق “إيه آر تيم” الذي قدم ترجمات لألعاب بارزة مثل “ميترو أكسودس” و”ستار وورز: جيداي فولين أوردر”، إضافة إلى فريق “غيمز إن آرابيك” الذي اختفى في 2022 بعد تقديم ترجمات مميزة لألعاب مثل “إيلدن رينغ” و”ستراي”.

التطور الرسمي: دعم الشركات الكبرى

اليوم، تقدم العديد من الشركات الكبرى ألعابًا باللغة العربية، على رأسها “يوبي سوفت” التي دعمت اللغة العربية في سلسلة “أساسنز كريد”، و”سوني” التي بدأت دعم اللغة العربية في ألعاب مثل “ديترويت: بيكوم هيومين” و”دايز غون” منذ 2018. كما قدمت “مايكروسوفت” دعمًا للغة العربية في لعبة “ماين كرافت”، و”بابجي” و”فورتنايت” قدما دعمًا متكاملًا للغة العربية يشمل الترجمة والدبلجة، بل وأدرجتا شخصيات عربية داخل اللعبة.

ومع ذلك، لا تزال نسبة الألعاب المعربة ضئيلة مقارنة بحجم سوق الألعاب العربي، حيث أشارت التقارير إلى أن الألعاب المعربة في متجر “ستيم” لا تتجاوز 3% من إجمالي الألعاب المتاحة.

التحديات التقنية واللغوية

يواجه المطورون تحديات كبيرة عند تعريب الألعاب، حيث تتطلب اللغة العربية تخصيصًا خاصًا في محركات الألعاب بسبب خصائصها الفريدة. فالعربية تُكتب من اليمين لليسار وتحتاج إلى مساحة عرض أكبر بسبب حجم الكلمات. كما أن النصوص العربية لا تُترجم دائمًا بدقة من خلال الأدوات الآلية، مما يستدعي الترجمة اليدوية الدقيقة لضمان جودة النصوص.

وبالإضافة إلى ذلك، تنوع اللهجات العربية يجعل من الصعب تحديد اللهجة المناسبة لكل منطقة. على سبيل المثال، واجهت “سوني” انتقادات في لعبة “ديترويت: بيكوم هيومين” لاستخدام اللهجة المصرية رغم أن السوق السعودي هو الأكبر في المنطقة.

هل تخسر الشركات بابتعادها عن السوق العربي؟

يشير تقرير “نيكو بارتنرز” إلى أن سوق الألعاب في المنطقة العربية حقق مبيعات وصلت إلى 1.92 مليار دولار في 2023، مع توقعات بتجاوز 2.65 مليار دولار بحلول 2027. كما أن نحو 45% من اللاعبين السعوديين يفضلون الألعاب التي تدعم اللغة العربية، مما يبرز أهمية هذه اللغة في الوصول إلى شريحة واسعة من اللاعبين.

إذن، عدم دعم اللغة العربية يعني فقدان فرصة الوصول إلى مئات الملايين من اللاعبين الناطقين بالعربية حول العالم، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام الشركات التي ترغب في التوسع في السوق العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى