معاناة المصريين المحتجزين في السودان: قصص مأسوية وظروف احتجاز قاسية


قبل حوالي 15 عامًا، قرر الشاب المصري محمد عزيز السفر إلى الخرطوم مع شقيقه أحمد للعمل في مجال بيع الأدوات المنزلية. ولفترة طويلة، استقرت تجارتهما وازدهرت، حتى انقلبت حياتهما رأسًا على عقب مع اندلاع الحرب في السودان
في الأيام الأولى من النزاع، عاد محمد، البالغ من العمر 35 عامًا، إلى مصر، بينما بقي أحمد، 41 عامًا، مع مجموعة من التجار المصريين الذين رفضوا مغادرة بضائعهم التي تُقدر قيمتها بـ300 ألف دولار، على أمل تحسن الأوضاع.
اختفاء مجهول
يروي محمد بأسى أنه حذّر شقيقه مرارًا عبر اتصالات عديدة من خطورة البقاء وطالبه بالعودة. ومع تفاقم الوضع الأمني، استجاب أحمد لنداء شقيقه وحصل على تذاكر العودة برفقة ستة آخرين في يونيو/حزيران 2023. لكن قبل موعد السفر بأيام قليلة، اقتحمت قوات الدعم السريع مقر إقامتهم، ونهبت البضائع وأخذتهم إلى وجهة مجهولة.
واصل محمد البحث عن شقيقه عبر معارفه في السودان دون جدوى. وبعد ثلاثة أشهر من المحاولات، تواصل معه شاب سوداني كان محتجزًا لدى قوات الدعم السريع وأخبره أنه التقى بأحمد أثناء فترة احتجازه. وقدم له رقم هاتف أحد العسكريين، ليتمكن محمد لاحقًا من إرسال الأموال والاطمئنان على شقيقه بين الحين والآخر.
يشير محمد إلى أن قوات الدعم السريع تبرر احتجاز المصريين بادعاءات أنهم مرتزقة لدى الجيش المصري، وهو ما ينفيه بشدة قائلاً: “كل المحتجزين تجار، ولا يحتاج جيش بلادي إلى مرتزقة”.
معاناة عائلات المعتقلين
بينما كان الشقيقان عماد وماجد يطمئنان والدتهما على قرب عودتهما إلى الوطن، تحولت الفرحة إلى مأساة عند سماع خبر اعتقالهما مع خمسة آخرين كانوا يعملون في التجارة بالسودان. تقول الأم بصوت يختنقه البكاء: “منذ ذلك اليوم والبيت يغرق في الحزن، حتى أحفادي تعلموا البكاء”.
يعاني أطفال عماد الأربعة وأطفال ماجد الثلاثة من آثار نفسية صعبة بسبب غياب والديهم. وأوضحت الجدة أن الأطفال يرفضون تناول الطعام ومتابعة دروسهم، فيما أصيبت أصغر بنات ماجد بمرض فقر الدم. وتضيف الأم: “رغم أن فقدان البضائع جعل ابنيّ يخسران رأس المال الذي جمعاه لسنوات، فإن كل ذلك لا يهمني. ما أريده فقط هو عودتهما سالمين”.
ظروف احتجاز قاسية
كشف أستاذ العلاقات الدولية السوداني الرشيد محمد إبراهيم، الذي قضى 77 يومًا في الحجز لدى قوات الدعم السريع، أن مكان احتجاز المعتقلين يقع في مقر الجامعة العربية المفتوحة شرق الخرطوم، ويضم أجانب من دول عدة، بينهم ثمانية مصريين وسوري ويمنيان تم الإفراج عنهما لاحقًا.
وأشار إبراهيم إلى أن المعتقلين يتعرضون لسوء معاملة وظروف قاسية، موضحًا أن أحد المصريين، ماجد، أصيب في يده بشظية ولم يتلق العلاج المناسب، بينما يعاني المهندس أحمد من مشاكل في القلب وضيق التنفس.
مناشدات حقوقية
وثّقت منظمات حقوقية أدلة تفيد بأن قوات الدعم السريع تحتجز أكثر من 5 آلاف شخص، من بينهم 3500 مدني، في ظروف لا إنسانية داخل الخرطوم، وفقًا لتقرير سابق لوكالة رويترز.
وأوضح الناشط الحقوقي بشير سليمان أن مئات الأسر بعثت برسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لإنقاذ المعتقلين، مشيرًا إلى أن سجن سوبا، الواقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، يضم ما لا يقل عن 6 آلاف معتقل، يعاني كثير منهم من التعذيب والجوع والمرض.
وأكدت العضوة في مجموعة الطوارئ الحقوقية رحاب مبارك أن المجموعة أعدت تقريرًا يظهر أن قوات الدعم السريع تدير 44 مركز احتجاز مقارنة بـ8 مراكز تابعة للجيش. وتُستخدم هذه المواقع غالبًا كمبانٍ سكنية أو مدارس تُجمع فيها المعتقلين قبل نقلهم إلى مراكز دائمة.
تؤكد التقارير أن العديد من المعتقلين يختفون لأشهر دون أن تعرف عائلاتهم أي معلومات عن أماكن احتجازهم، كما حدث مع مجموعة من أبناء جزيرة توتي الذين تم العثور عليهم لاحقًا في سجن سوبا غربي الخرطوم.