ثقافة

الكتاب الورقي في مواجهة عصر الرقمية: تاريخ المكتبات العربية وتحديات المستقبل

على مر العصور، كان الكتاب يُعتبر الوعاء الأهم للمعرفة، والسلطة العليا التي لا تنازع في عالم العلم والفكر. ولكن لم يكن أحد يتصور أن العصر الرقمي سيأتي ليهدد هذا الكنز الثقافي العتيق، ويقلب الموازين بطرق لم تكن في الحسبان، حيث بدأ الكتاب الورقي يواجه تحديات جسيمة، تهدد وجوده وأثره، ما دفع العديد من المكتبات في العالم العربي إلى إغلاق أبوابها بعد عقود من العطاء.

ومسيرة المكتبات على مر التاريخ مليئة بالتحديات، من الحقبة الإغريقية والرومانية، مرورًا بمكتبة الإسكندرية العريقة، وصولاً إلى مكتبات العصر العباسي مثل “بيت الحكمة”، ثم مكتبة دار الحكمة التي أسسها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام 1004م. كانت تلك المكتبات تُعدُّ منارة للعلم، حيث ضمت مخطوطات نادرة في مختلف المجالات العلمية.

وفي العصر الإسلامي، تطورت المكتبات في مصر، خاصة في القاهرة، حيث كانت المساجد هي نواة هذه المكتبات، مثل الجامع الأزهر الذي بدأ مجموعاته في 7703 كتاب، بعضها كان هدية، وبعضها الآخر تم شراؤه، ومرّت المكتبة بتطورات كبيرة حتى أُسست مكتبة الأزهر الحديثة في القرن العشرين بتوجيه من الشيخ محمد عبده.

كما أن اختراع المطبعة في العصور الوسطى كان له تأثير كبير على صناعة الكتاب، مما جعل نشر الكتب أكثر سهولة ووفرة. لكن مصر تأخرت في اقتناء المطبعة حتى فوجئوا بوصولها مع الحملة الفرنسية عام 1798، حيث أسس نابليون بونابرت “المجمع العلمي بالقاهرة” ليكون مكتبة رئيسية في عصره.

وفي فترة حكم محمد علي باشا، بدأت مصر بإدخال الطباعة بشكل جاد من خلال إنشاء “مطبعة بولاق” في عام 1821، التي ساهمت في نشر الكتب بشكل واسع في مختلف أنحاء العالم العربي. بعد ذلك، أسست مصر المكتبات العامة، مثل “دار المحفوظات” التي تأسست عام 1829، و”دار الكتب” التي جاءت بتوجيه من علي باشا مبارك، حيث كانت تهدف إلى جمع الكتب والمخطوطات المتناثرة في مختلف الأماكن.

وفي القرن التاسع عشر، بدأت مصر في النهوض الثقافي والعلمي، مما أدى إلى ظهور العديد من المكتبات التي ساهمت في نشر المعرفة، مثل مكتبة “الخانجي” التي أسسها محمد أمين الخانجي في 1885م، والتي استمرت في عملها حتى اليوم، متخصصة في نشر الكتب التراثية والأدبية. وقد أسس الخانجي مكتبات أخرى للمفكرين والأعيان في مصر، وهو ما ساهم في تشكيل الوعي الثقافي في تلك الحقبة.

إلا أن عصر الرقمنة بدأ يشكل تحديًا كبيرًا على تلك المكتبات العريقة. ورغم وجود العديد من المكتبات التي لم تتمكن من الصمود أمام تلك التحديات، مثل “مكتبة الحلبي” و”مكتبة السلفية” وغيرها، فإن بعض المكتبات العريقة لا تزال صامدة في وجه هذه التحولات، مثل “مكتبة الأنجلو المصرية”، التي تأسست عام 1928م، والتي تقدم برنامجًا ثقافيًا مستمرًا.

وفي ظل هذه التحولات، أصدرت “اتحاد الناشرين العرب” دراسة جديدة حول ضرورة التحول إلى أسلوب علمي في النشر لمواكبة العصر الرقمي، مشيرًا إلى أن صناعة النشر العربية تحتاج إلى مراجعة شاملة، ويجب تطوير مهارات الناشرين من خلال معاهد علمية متخصصة لتقديم تدريب مهني يواكب التطورات الرقمية.

زر الذهاب إلى الأعلى