صحة

البكتيريا المرآتية: نداء عالمي للتحذير من كائنات قد تهدد بقاء البشرية

في تحقيق موسّع نشرته صحيفة لوموند، أطلق عدد من العلماء البارزين، من بينهم حائزون على جائزة نوبل، نداءً عالميًا للتحذير من المخاطر الجسيمة المرتبطة بالأبحاث الجارية في مجال ما يعرف بـ”البكتيريا المرآتية”، مؤكدين ضرورة فتح نقاش دولي شامل لوضع ضوابط صارمة تحول دون استخدامها بشكل غير مسؤول، لما قد ينجم عنها من تهديد وجودي قد يقضي على الحياة على كوكب الأرض.

ويأتي هذا التحذير، الذي أعده الصحفيان ناتانيال هيرزبيرغ وديفيد لاروسيري، في ظل تسارع التطورات العلمية المرتبطة بالكائنات الدقيقة الاصطناعية، والتي قد تكون قادرة في حال تطويرها على التغلّب على أنظمة المناعة البشرية والحيوانية، ما يجعلها تهديدًا صحيًا وبيئيًا غير مسبوق.

ما هي البكتيريا المرآتية؟

يعتمد مفهوم “البكتيريا المرآتية” على فكرة عكس التركيب الجزيئي للكائنات الحية. ففي علم الكيمياء الحيوية، تمتلك الجزيئات الحيوية كالبروتينات والأحماض النووية ما يُعرف بـ”الكيرالية” (chirality)، أي أنها تأتي بصيغة يمينية أو يسارية. وفي الطبيعة، اعتمدت الحياة على شكل واحد فقط من هذه الجزيئات. ويتساءل العلماء اليوم: ماذا لو طُورت كائنات تستخدم الشكل “المعاكس” أو “المرآتي”؟ هل ستكون خفية عن أجهزة المناعة؟ وهل يمكن مقاومتها بأدويتنا الحالية؟

خطر يفوق التخيّل

يحذر التقرير من أن هذه الكائنات، في حال إنتاجها، قد تتمكن من الانتشار في الطبيعة دون أن تُرصد أو تُقاوَم، ما قد يؤدي إلى انتشار أوبئة غير قابلة للعلاج. وفي سيناريو تخيلي طرحه العلماء، يبدأ الأمر من خلل بسيط في بدلة مختبر، يمرض على إثره أحد الباحثين، لتتسارع العدوى ويظهر وباء لا تنفع معه المضادات الحيوية، ما يدفع منظمة الصحة العالمية إلى إعلان حالة طوارئ عالمية، بينما تستمر الحشرات في نشر المرض.

وفي مقال نُشر بمجلة ساينس، دعا 38 عالمًا بقيادة فان كوبر وديفيد ريلمان إلى التعامل الجدي مع هذه المخاطر، محذرين من أن امتلاك القدرة على تصنيع هذه الكائنات قد يصبح ممكنًا خلال عقود قليلة. وقال ريلمان: “لقد درست المخاطر الصحية طوال حياتي، لكن لم يسبق أن واجهت خطرًا بهذه الضخامة”. وأكد كوبر: “ربما من الأفضل عدم تصنيع هذه الكائنات أبدًا، حتى لو كان ذلك ممكنًا في المستقبل”.

خطوات علمية تقترب من الواقع

شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا لافتًا في هذا المجال، إذ تمكن الباحث الصيني تينغ زو من تطوير أدوات جزيئية مرآتية تتيح للعلماء عكس الوظائف البيولوجية. وفي عام 2025، أعلنت فرق يابانية عن نجاحها في تطوير أول نسخة مرآتية من “الريبوسوم”، الجهاز المسؤول عن تصنيع البروتينات داخل الخلية، ما يقرّب خطوة إنشاء كائنات مرآتية حقيقية.

دعوات لتقنين صارم وحوار عالمي

رغم الإمكانيات الطبية الواعدة التي قد تتيحها هذه الأبحاث – كتحسين فعالية الأدوية – إلا أن العلماء يشددون على ضرورة وضع قيود صارمة على التجارب المرتبطة بالكائنات القادرة على التكاثر الذاتي، ودعوا إلى تنظيم حوار عالمي واسع يشمل الباحثين، وصنّاع السياسات، والمؤسسات الدولية، بهدف إرساء إطار أخلاقي وقانوني صارم.

ومن المنتظر أن يُعقد أول مؤتمر دولي حول هذه القضية في يونيو المقبل في “معهد باستور” بباريس، على أن يتبعه مؤتمران إضافيان في كل من مانشستر وسنغافورة، من أجل التوصل إلى توافق عالمي بشأن مراقبة وتنظيم الأبحاث المتعلقة بالبكتيريا المرآتية.

خاتمة

واختتمت لوموند تحقيقها بالتأكيد على أن البكتيريا المرآتية تمثل في آنٍ واحد فرصة علمية واعدة لفهم الحياة وتطوير الطب، وخطرًا وجوديًا غير مسبوق. ولذلك، فإن الخيار الوحيد أمام المجتمع العلمي هو الحذر والتخطيط المنظم، تفاديًا لتحول هذه التكنولوجيا إلى سلاح يهدد بقاء البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى