ثقافة

حياة الرئيس الموريتاني الأسبق المصطفى ولد محمد السالك (1936–2012): من مولده إلى رئاسة موريتانيا


النشأة:

وُلد المصطفى ولد محمد السالك عام 1936 في مدينة كيفة بولاية لعصابة جنوب شرق موريتانيا، في بيئة محفزة على التعليم والانخراط في الخدمة العامة. بدأ مسيرته التعليمية في دكار بالسنغال، حيث تلقى تعليمًا نظاميًا قبل أن يعود إلى موريتانيا ليعمل مُعلمًا في خمسينيات القرن العشرين، وهي مهنة اعتُبرت آنذاك من أدوات النخبة الوطنية لبناء الهوية الثقافية.


المسيرة العسكرية وتكوينه القيادي

  • التكوين العسكري: بعد استقلال موريتانيا عام 1960، انضم إلى أول دفعة من الضباط الذين شكلوا نواة الجيش الموريتاني الحديث، وتلقى تدريبه العسكري في فرنسا، مما منحه خبرة دولية.
  • المناصب العسكرية: تولى قيادة الجيش مرتين (1968–1969 و1978)، وأصبح واليًا لولاية آدرار شمال البلاد من 1970 إلى 1978، حيث اكتسب مهارات إدارية وسياسية.
  • المؤهلات القيادية:
  • الثقافة الواسعة: جمع بين التكوين العسكري والثقافة الأدبية، حيث أتقن اللغة الفرنسية وعُرف باهتمامه بالشعر العربي، مثل اقتباسه لبيت أبي تمام: “السيف أصدق أنباء من الكتب”.
  • الوطنية: رأى أن دوره العسكري مرتبط بحماية البلاد من الانهيار، خاصة خلال حرب الصحراء التي استنزفت موارد موريتانيا.
  • البساطة والتواضع: عُرف بعيشه المتواضع، ورفضه لمظاهر السلطة الفخمة، مفضلًا العودة إلى قريته الأم “آمرجل” بعد مغادرته الحكم.

الانقلاب على الرئيس المختار ولد داداه (1978)

قاد ولد السالك انقلابًا عسكريًا في 10 يوليو 1978 ضد الرئيس المختار ولد داداه، مدفوعًا بأزمات حرب الصحراء التي أدت إلى تدهور اقتصادي واجتماعي. وقد تميز الانقلاب بـ:

  • الهدوء وغياب العنف: نفذه دون إراقة دماء، بهدف “وقف نزيف الحرب” وفقًا لرؤيته.
  • الأهداف المعلنة:
  1. إنهاء الحرب مع جبهة البوليساريو.
  2. إصلاح الاقتصاد، خاصة قطاع الصيد البحري.
  3. التمهيد لانتقال ديمقراطي.

فترة الرئاسة القصيرة (1978–1979) وأسباب الإطاحة به

رغم طموحاته، لم يستمر حكمه سوى 11 شهرًا، حيث أطاح به زملاؤه في الجيش في 3 يونيو 1979، ويعود ذلك إلى:

  1. فشل إدارة أزمة ما بعد الحرب: لم يتمكن من تحقيق الاستقرار الاقتصادي أو الاجتماعي، خاصة مع استمرار التوترات العسكرية.
  2. الصراعات داخل المؤسسة العسكرية: اختلف مع قادة “اللجنة العسكرية للخلاص الوطني” حول أولويات الحكم، واتُهم بالتراخي في تطبيق الأهداف المعلنة.
  3. الضغوط الإقليمية: تسببت حرب الصحراء في تدخلات خارجية زادت من تعقيد الأوضاع الداخلية.

ما بعد الرئاسة

  • السجن والمعارضة: سُجن بين 1981–1984، ثم ترشح للانتخابات الرئاسية عام 1991 وحصل على 4.25% من الأصوات.
  • الإرث التاريخي: يُذكر كرمز للوطنية، ورجل حاول التوفيق بين السيف (العسكرية) والقلم (التعليم)، لكن ظروف البلاد المعقدة حالَت دون استقرار حكمه.

ملخص المسيرة:

جسد ولد السالك نموذجًا للقائد العسكري المثقف الذي سعى لإنقاذ بلاده من أزمات وجودية، لكن التحديات الداخلية والخارجية حدّت من نجاحه، مما جعل فترة حكمه قصيرة لكنها محورية في تاريخ موريتانيا الحديث.

زر الذهاب إلى الأعلى